×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَصَبْرٌ لِفَقْدِ الإِلْفِ مِنْ حَالَةِ الصَّبِي *** وَفَطْمٌ عَنِ المَحبُوبِ وَالمُتَعَوَّدِ

فَثِقْ فِيهِ بالوَعْدِ القَدِيمِ مِنَ الَّذِي *** لَهُ الصَّوْمُ يَجْزِي غَيْرَ مُخْلِفِ مَوْعِدِ

*****

يَضرُّهُ، ويُضْعِفُ نَفسَهُ، فهو يُبعِدُها عَن مُشتَهَياتِهَا، ويُرَبِّيها عَلَى تَرْكِها مِن أَجْلِ أَنْ يَقْوَى بَدنِيًّا ونَفسِيًّا. فالصِّيامُ فِيهِ فائِدَةٌ عَظِيمةٌ: أنَّهُ تَربِيةٌ للنُّفُوسِ وفِطامٌ للنُّفوسِ وتَعوِيدٌ للنُّفوسِ عَلَى التَّحمُّلِ والجَلَدِ عَلَى طاعَةِ الله سبحانه وتعالى.

وقولُهُ: «عِبادَةُ سِرٍّ» أيْ: أنَّ الصَّومَ سِرٌّ بَينَ العَبدِ وبينَ رَبِّهِ، لا يَطَّلِعُ عليهِ إلاَّ اللهُ. الَّذي يُصلِّي تَراهُ، وهُوَ يُصلِّي، والَّذِي يَتصدَّقُ تراهُ، وهُوَ يَتصدَّقُ، أما الصَّومُ هذا سِرٌّ بَينَ العَبدِ وبينَ رَبّهِ، تَرَى هذا الإنسانَ، ولا تَعرِفُ أنَّهُ صَائِمٌ، تَرَى النَّاسَ، ولا تَدرِي مَنِ الصَّائِمُ، مَنِ المُفطِرُ، كُلُّهُم سَواءٌ. فهو سِرٌّ بينَ العبدِ وبَينَ ربِّهِ، لا يَطَّلِعُ عليهِ إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى، ولا يَراهُ النَّاسُ. وهذا مِن فضائِلِ الصِّيام أن الإخلاصَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ لأَنَّهُ لا يَطَّلِعُ عليهِ النَّاسُ.

الصَّومُ فيهِ حَبْسٌ للنَّفْسِ عَن مُشتَهَيَاتِهَا، مِثْل ما يُحبَسُ الصَّبِيُّ عَنِ الرَّضاعِ. الصَّبيُّ يَعتادُ الرَّضاعَ فإِذا قارَبَ الفِطامَ فإِنَّهُ يُمنَعُ مِنَ الرَّضاعِ مِن أجْلِ أَنْ يَتعَوَّدَ، ثُمَّ يَترُكَ الرَّضاعَ، وَيَصبِرَ عَنهُ. كذلِكَ المُسلِمُ يَفطِمُ نَفسَهُ عَنِ الشَّهواتِ فِي الصِّيامِ كما يُفطَمُ الصَّبِيُّ عَنِ الرَّضاعِ.

اللهُ جل وعلا يقولُ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ إِنَّهُ تَرَكَ شَهَوَاتِهِ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» ([1]) هذهِ فَضائِلُ للصِّيامِ عَلَى غيرِهِ مِن الأعمالِ؛ فَلِذلكَ اختصَّهُ


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (7492)، ومسلم رقم (1151).