×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَمَا جَا بِلاَ اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَطَلَبِهِ *** يُسَنُّ وَلَمْ يُوجَبْ قَبُولٌ بِأَوْكَدِ

ويُكْرَهُ بِاسْتِشْرَافِ نَفْسٍ وَجَائِزٌ *** عَلَى الكُفْرِ بَذْلُ البِرِّ فِي نَصِّ أَحْمَدِ

وَخُذْ فِي بَيَانِ الصَّوْمِ غَيْرَ مُقَصِّرٍ *** عِبادَةَ سِرٍّ ضِدَّ طَبْعٍ مُعَوَّدِ

*****

يَقُولُ إِذا أُعطِيتَ شَيئًا، وأنْتَ لم تَسألْهُ، ولَم تَتطلَّعْ إليهِ، ولكِنْ بُودِرْتَ به فَخُذْهُ؛ لِمَا جاءَ في الحَدِيثِ: «مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ سَائِلٍ، وَلا مُسْتَشْرِف فَخُذْهُ، فَإِنْ شِئْتَ تَمَوَّلهُ، وَإِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْ بِهِ» ([1]) فَما جاءَكَ مِن غَيرِ سُؤالٍ مِن غَيرِ تَشوُّفٍ لَهُ فَخُذْهُ، سواءٌ كانَ مِنْ بَيتِ المالِ أو مِن غَيرِ بَيتِ المالِ، فإنْ شِئْتَ أَنَّكَ تَمَوَّلُهُ، وتنفع وَتَنتَفِعُ بِهِ، وَإِن شِئْتَ تَتصَدَّقُ بهِ، وَلا تَرُدَّ الخَيْرَ.

أَمَّا إذا كانَ باسْتِشرافِ نَفْسٍ فإنَّهُ يُكْرَهُ أن تَقبَلَهُ مِن أجلِ لُزُومِ التَّعفُّفِ وعَدَمِ الذِّلَّةِ للنَّاسِ، والنَّظرِ إلى ما في أَيدِيهِم. وَصدقَةُ التَّطوُّعِ يَجُوزُ أنْ تُعطَى للكافِرِ المُحتاجِ؛ لأنَّ هذا مِنَ الإحسانِ، والله جل وعلا يقول: ﴿وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ [البقرة: 195]. ورُبَّما يكونُ هذا مِن بابِ تَألِيفِهِ للإسلامِ وَإِظهارِ كَرَمِ الإسلامِ وأَخلاقِ المُسلمِين.

لَمَّا فَرغَ مِن الصَّدقاتِ الواجِبَةِ والمُستحَبَّةِ انتقلَ إِلَى الرُّكنِ الرَّابِعِ وهُو الصِّيامُ.

وَالصِّيامُ: هُوَ الإمساكُ عَنِ المُفطِراتِ، وهو يُخالِفُ هَوَى النَّفسِ؛ لأنَّ النفسَ تُرِيدُ الشَّهواتِ، تُريدُ الأكلَ والشُّرْبَ، فأنْتَ تَحْمِيها مِن ذلك طاعَةً للهِ سبحانه وتعالى. فَالصَّومُ فِيهِ تَروِيضٌ للنَّفسِ وتعويدٌ للنَّفسِ عَلَى مُفارقَةِ المَحبُوباتِ والمُستلَذَّاتِ. وَكَوْنُ الإنسانِ دائِمًا مَعَ مُشتَهَياتِهِ وَمَلذَّاتِهِ مِمَّا


الشرح

([1] أخرجه: البخاري بنحوه رقم (1473).