×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَإِلاَّ تَكُنْ تَأثَمْ بِبَذْلِ جَمِيعِهِ *** ويُكْرَهُ تَضْيِيقٌ لِغَيْرِ المُعَوَّدِ

وَجَوِّزْ سُّؤَالَ المَرْءِ مَا جَازَ أَخْذُهُ *** وَعَنْهُ احْظُرَنْ عَنْ ذِي العَشَا والغَدَا قَدِ

*****

الشَّرط الثَّالِث: أَنْ لا يَسأَلَ النَّاسَ، وَيتصَدَّق بالذي عِندَه، إذا كانَ سَيسأَلُ النَّاسَ فَكَفُّهُ عَنِ السُّؤالِ أَوْلَى مِنَ التَّصدُّقِ، فَلا يَجُوزُ للإنسانِ أَنَّهُ يُضيِّقُ عَلَى نَفسِهِ - كما سبقَ - وعلَى مَن يَعولُ، وما حَملَ أبا بكرٍ بِأنْ يَتصدَّقَ بِمالِهِ كُلِّهِ، وَعُمرِ بِنِصْفِ مَالِهِ؛ إلاَّ لِصَبرِهِم وتَوكُّلِهِم عَلَى اللهِ سبحانه وتعالى، فإذا بَلغَ الإنسانُ هذِه الرُّتْبةَ فإِنَّهُ يُؤْثِرُ عَلَى نَفسِهِ. أمَّا إذا كانَ ما عِندَهُ هذِه الأُمورُ فإنَّهُ يَبدأُ بِنفْسِهِ.

هذا تابِعٌ لِمَا سَبقَ، يَقولُ: الإِيثارُ ما له حَدٌّ لَوْ تَتصَدَّقُ بِمالِكَ كُلِّهِ، مِثْل ما فَعلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق لِمَا عِندَهُ مِن قُوَّةِ الإيمانِ، وقُوَّةِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ؛ وَلِهذا لَمَّا قالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَكتَ لِعِيَالِكَ؟»، قَالَ: تَرَكتُ لهم الله ([1]). هذا مِن عِظَمِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ عز وجل، فَإِذا وَصَلْتَ إِلَى هذِهِ الحالةِ فَلاَ بَأْسَ.

سُؤالُ النَّاسِ يَجُوزُ عِندَ الحاجَةِ وَبِقَدْرِ الحاجَةِ؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَسْأَلَةُ لاَ تَحِلُّ إلاَّ لِثَلاَثَةٍ»وَذَكَرَ مِنْهُمْ «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ» ([2])، فَيجُوزُ لَهُ أَنْ يَسأَلَ؛ حَتَّى يُصِيبَ سَدادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِك، فإِذا احتاجَ الإنسانُ إِلَى السُّؤالِ يَسأَلُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ والحاجَةِ. وعَنِ الإمامِ أَحْمدَ: لا يَجوزُ السُّؤالُ لِمَنْ عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ غدَاءً أوْ عَشاءً.


الشرح

([1] أخرجه: أبو داود رقم (1678)، والترمذي رقم (3675)، والدارمي رقم (1660).

([2] أخرجه: مسلم رقم (1044).