×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَذَلِكَ نَقْلُ البِرِّ سِرًّا بِفاضِلِ *** عَنِ النَّفْسِ مَعْ قُوتِ العِيالِ المُؤَكَّدِ

*****

لَمَّا فَرغَ مِنَ الصَّدَقَةِ الواجِبَةِ، وهي الزَّكاةُ نَبَّهَ على الصَّدَقَةِ المُستحَبَّةِ، فهِيَ مُستحَبَّةٌ وَمُتأَكَّدَةٌ زِيادَةً علَى الزَّكاةِ، لكِن تَكُونُ بالفاضِلِ عَنْ قُوتِكَ وقُوتِ عِيالِكَ وَمَنْ تَعُولُ، ولا تُضَيِّقْ عَلَى نَفْسِكَ وتُضَيِّقْ عَلَى أَولادِكَ، بل إذا فَضَلَ شَيءٌ تَتصَدَّقُ به.

وتَكونُ الصَّدقةُ سِرًّا؛ لأنَّ هذا أَقْرَبُ إِلَى الإخلاصِ، وإذا دَعا الأمْرُ إِلَى إِعْلامِ الصَّدَقَةِ مِن أَجْلِ أَنْ يَقتَدِيَ بِكَ غَيرُكَ وَمِنْ أَجْلِ أَنْ تُعْلِمَ النَّاسَ عَن هَؤُلاءِ المُحتاجِينَ؛ فإِعْلانُ الصَّدقَةِ لِمَصْلَحَةٍ راجِحَةٍ طَيّبٌ، قالَ جل وعلا: ﴿إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ [البقرة: 271]، وَالإبداءُ مَعناهُ الإِعلانُ، إذا دَعَتِ الحاجَةُ إِلَى إِعلانِهَا مِن أَجْلِ أَنْ يَعرِفَ النَّاسُ المُحتاجَ، وَيَتصَدَّقُوا عليهِ، فَهذا مَقْصِدٌ طَيِّبٌ، وَمِنْ أَجْلِ أَن يَقتَدُوا بِكَ، والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي يَوْمٍ مِنَ الأيَّامِ، وَجاءَ رَجلٌ مَعهُ مَالٌ كَثِيرٌ عَجَزَتْ يَدُهُ عَنْ حَمْلِهِ، فَوضَعَهُ بَينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسُرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذلِكَ، ثُمَّ تَتابَعَ النَّاسُ يَتصَدَّقُونَ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الإِْسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» ([1]) فَهَذا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِعْلانَ الصَّدَقَةِ إذا كانَ لِمَصلَحةٍ رَاجِحَةٍ أَنَّهُ مُستحَبٌّ، وَإِلاَّ فالأصلُ الإِسرارُ؛ لأنَّ هذا أَدْعَى إِلَى الإخلاصِ.


الشرح

([1] أخرجه: مسلم رقم (1017).