تَعالَى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ
وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ﴾ [البقرة: 196]، ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ﴾ [البقرة: 197]
يَعْنِي: المُحْرِمُ يَحْرُمُ عليهِ الرَّفَثُ. والرَّفَثُ: هو الجِماعُ
ودَواعِيهِ مِن كَلامٍ أَوْ نَظَرٍ أو لَمسٍ أو غيرِ ذلك مِن كُلِّ ما يَدعُو
إِلَى الجِماع، فَيتجَنَّبُ الأقوالَ والأفعالَ والنَّظرَ الَّذِي يُرَغِّبُهُ أَو
يَدعوهُ إِلَى الجِماعِ حَتَّى معَ زَوجتِهِ الَّتِي أَحَلَّها اللهُ له، إِذا
أَحْرَمَ فإنَّهُ يَتجَنَّبُها، ﴿وَلَا فُسُوقَ﴾ [البقرة: 197] الفُسوقُ: هو المَعاصِي سُمِّيَتْ
فُسوقًا؛ لأنَّ الفُسوقَ مَعناهُ الخُروجُ، فالعاصِي لَمَّا خرجَ عَن طاعَةِ اللهِ
سُمِّيَ فاسِقًا، فالمُحْرِمُ يَتجنَّبُ المَعاصِيَ، وإنْ كانَ واجبًا عَليهِ أَنْ
يَتجنَّبَها دائمًا، ولكنَّ المُحرِمَ - لأَنَّه فِي عبادةٍ - فَلا يُدخِلُ
المَعاصِيَ عَلَى العبادةِ؛ لِئَلاَّ تُؤثِّرَ عَلَى عبادتِهِ؛ فَتكُون
المَعصِيَةُ مِن المُحْرِمِ أَشَدَّ، فَيتجَنَّبُ المَعاصِيَ ﴿وَلَا جِدَالَ فِي
ٱلۡحَجِّۗ﴾ [البقرة: 197] الجِدال: هو المُخاصمَةُ بالكلامِ
والمُمَارَاة، فالمُحرِمُ يَتجنَّبُ هذا؛ لأنَّ الجِدالَ يُورِثُ البَغضاءَ،
وَيَشغَلُ عَن ذِكرِ اللهِ، وقدْ قالُوا: إِنَّ الجِدالَ عَلَى قِسمَيْنِ:
جِدالٌ واجِبٌ؛ وهو
ما كانَ لِبَيانِ حَقٍّ، أو دَفْعِ باطلٍ، هذا واجِبٌ؛ لقولِه تَعالَى: ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي
هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾ [النحل: 125]، فالجِدالُ الَّذِي يُقصَدُ بهِ بَيانُ
الحَقِّ وردُّ الباطِلِ هذا واجِبٌ لِمَن يَستطِيعُهُ، ويَقدِرُ عليه فِي
الإِحْرامِ وفِي غيرِه.
النَّوع الثَّانِي: الجِدالُ الَّذِي
لا فائِدَةَ فِيهِ مِن جِهَةِ الدِّينِ، وإنَّما هو جِدالٌ فِي أُمُورِ الدُّنيا
فهذا يَتجنَّبُهُ المُحرِمُ.