وَمَكَّةُ
بِالتَّفْضِيلِ أَوْلَى وَعَنْهُ بَلْ *** مَدِينَةُ خَيْرِ الخَلْقِ
مَثْوَى مُحَمَّدِ
وَكِلْتَا
يَدَيْكَ ارْفَعْ لِرُؤْيَةِ كَعْبَةٍ *** مُعَظَّمَةٍ عُلْيَا
وَكَبِّرْ وَمَجِّدِ
*****
ثُمَّ لمَّا نَهَى عَن هذِهِ الأُمُورِ
الثَّلاثَةِ وَجَّهَ إِلَى الخير، فقال: ﴿وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ﴾ [البقرة: 197]، فبَدَلَ أَنْ يَشتَغِلَ بِالرَّفَثِ
والفُسُوقِ والجِدالِ يَشتَغِلُ بِالطَّاعاتِ، وما فَعلَ مِن خَيرٍ فإِنَّ اللهَ
يَعلَمُهُ، ويُثِيبُه عليهِ.
هذا إِشارةٌ إِلَى
الخِلافِ فِي مكَّةَ والمَدِينةِ أَيُّهما أفضَلُ؟ المَعروفُ أَنَّ مَكَّةَ
أَفضلُ؛ لأَنَّها خَيرُ البِقاعِ، وَفِيها البَيتُ العَتِيقُ، وفِيها مَقامُ
إِبراهيمَ، وَأمرَ اللهُ باستقبالِ الكَعبةِ والحَجِّ عَلَى المُسلمِينَ فَهِيَ
أَفضَلُ مِنَ المَدِينَةِ، وقيلَ: المَدِينَةُ أَفضَلُ؛ لأَنَّها مُهاجَرُ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وفِيها قَبرُهُ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دَعا
لها ولأهْلِهَا؛ فهِيَ أَفضَلُ مِن مَكَّةَ. والقولُ الأوَّلُ هو الرَّاجِحُ؛
لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا خَرجَ للهِجرَةِ وَقفَ، وقالَ: «إِنَّكِ
لَأَحَبُّ البِقاعِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ»
([1]) دَلَّ عَلَى أَنَّها
أَفضَلُ مِنَ المَدِينةِ، وَلِكُلٍّ مِنَ البَلدَتَيْنِ فَضائِلُ: هذِه دَارُ
الهِجرَةِ، وهذِه دَارُ الكَعبةِ ومَبعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هَذا بَيانُ ما يُشرَعُ عِندَ مُعايَنَةِ الكَعبةِ للقادِمِ إِذا دَخلَ المَسجِدَ الحَرامَ، ورَأى الكعبةَ المُشرَّفةَ: يَرفَعُ يَديْهِ، ويُكبِّرُ. هكذا فِي كُتُبِ المَناسِكِ، ولكِن هذا لا دَليلَ عليهِ، وإنَّما يَرفَعُ يَدَهُ مُكَبِّرًا عِندَ بدايةِ الطَّوافِ، كما يأتي.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3925)، وابن ماجة رقم (3108)، والدارمي رقم (2510)، وأحمد رقم (18715).