×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَهَذَا مَقَامُ المُسْتَجِيرِينَ مِنْ لَظَى *** بِعَفْوِكَ يَا مَنَّانُ يَا ذَا التَّغَمُّدِ

بِعَوْنِكَ جِئْنَا فَوْقَ كُلِّ مُسَخَّرٍ *** فَجُدْ بِالرِّضَا يَا رَبِّ قَبْلَ التَّبَعُّدِ

فَهَذَا أَوَانُ السَّيْرِ عَنْ بَيْتِكَ الذِي *** نُفَارِقُهُ كُرْهًا مَتَى شِئْتَ نَفْتَدِي

فِرَاقُ اضْطِرَارٍ لاَ فِرَاقَ زَهَادَةٍ *** وَلاَ رَغْبَةً عَنْهُ وَلاَ عَنْكَ سَيِّدِي

*****

كذلك تَتوسَّل إليهِ بقيامِكَ في هذا المكان تقَرُّبًا إلى اللهِ، وطاعَةً له، وهذا أيضًا من التَّوسُّلِ بالعمَلِ الصالِحِ.

وتقول: حَملتَنِي على ما سَخَّرْت لي من خَلقِكَ، وهذا اعترَافٌ لِفضْلِ اللهِ وكرمِهِ وأنه هو الذي سخَّرَ لك ما يحمِلُك إلى هذا البَيتِ، مِنْ مَرَاكِبِ الدَّوابِّ أو المراكِبِ المَصنوعَةِ، كلُّ هذا من تَيسِيرِ الله سبحانه وتعالى، وهو الذي أوجدَها لكَ ويَسَّرَها لك وحمَلك عَليها، وجئتَ من مكانٍ بعيدٍ على هذه المُسخَّراتِ، هذا اعترافٌ بفضْلِ اللهِ سبحانه وتعالى.

وتقول: هذا أوانُ انْصرافِي إِن أذِنْتَ لِي؛ لأنَّ كُلَّ شَيءٍ بِإذنِهِ، وتسألُهُ المَغفرَةَ وحُسنَ الخِتامِ.

تقول: فِراقي للبَيتِ اضْطرارٌ، وليسَ فراقُ رَغبَةٍ عَنه أو زُهدًا فيه، وإنما حَاجَتي هي التي اضْطرَّتْني إلى الفِراقِ، وقَلبِي متَعلِّقٌ بهذا البَيتِ حتَّى ولو سافرْت.. المُسلمُونَ قُلوبُهم مُعلَّقَةٌ بهذا البَيتِ، يتوَجَّهونَ إليهِ ويَتشوَّقونَ إلى رُؤيَتِه والطوافِ بهِ، كُلُّ مُسلمٍ هكذا تَجدُ عندَهُ الحَنينَ إلى هذا البَيتِ دَائمًا وأبدًا، ولا يَشبَعُ ولا يَملُّ منه، ولو تَكرَّر مجيئُهُ، فإنه لا يَشبعُ من هذا البَيتِ، وهذا من آياتِ اللهِ سبحانه وتعالى.


الشرح