أما المساجِدُ
الثَّلاثَةُ فالسَّفرُ إليها من أجلِ العِبادَةِ والاعتكافِ فيها سُنَّةٌ،
فزيارَةُ المسجِدِ النَّبويِّ بعد الحَجِّ أو قبل الحَجِّ أو في أيِّ وقتٍ
سُنَّةٌ، الصَّلاةُ الواحِدَة بألْفِ صَلاةٍ، هذا فضلٌ عظيمٌ.
ولا تَنوِ زِيارَةَ
القَبرِ في السَّفرِ؛ لأن هذا بِدعَةٌ، وقول النَّاظم أنَّك تَنوِي زيارة قَبرِ
النَّبي، هذا جَرى عَلى ما عَليهِ المُتأخِّرونَ من الفُقهاء، وهذا غَلطٌ؛ لأنَّ
الزِّيارَةَ إنَّما هي للمَسجِدِ، والسَّفرُ إنما هو للمَسجِد، وتدخُلُ زِيارَةُ
قبرِه صلى الله عليه وسلم تبعًا لزيارَةِ المَسجِد، وما جاء حديثٌ صحيحٌ ولا حسَنٌ
في الأمر بزيارَةِ قبْرِه صلى الله عليه وسلم. بل الأحاديثُ الوارِدَة في زيارَةِ
قَبرِه على الخُصوصِ كُلُّها إما موضوعَةٌ وإما ضَعيفَةٌ شديدَةُ الضَّعفِ لا
يُحتجُّ بها.
وقد بَيَّن ذلِكَ
الأئمةُ الحُفَّاظُ، كالحافظِ ابن حَجر، وشَيخِ الإسْلامِ ابن تَيمِيَّة، والحافظِ
ابن عبدِ الهادي، وقد ألف كِتابًا ردًّا على السُّبكِيِّ في أحاديثِ الزِّيارة
التي احتجَّ بها السُّبكي، وبين حالَ هذه الأحاديثِ وأنَّها لا تصلحُ للاحتجاجِ،
ونقضَها وَاحدًا وَاحدًا في كتابٍ سمَّاه «الصَّارِمُ المُنْكِي فِي الرَّدِّ عَلَى
السُّبْكِي»، وهو مَطبوعٌ يُتداوَلُ، وغيره كَتب في هذا.
وإنما جَاءتِ
الأحادِيثُ في الحَثِّ على زيارَةِ المَسجِد النَّبويِّ، ومن زارَ المَسجدَ
النَّبويَّ وصَلَّى فيه فإنَّه يُستحَبُّ له أن يذْهَب إلى قَبرِ النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم ويسلم عليه، ثم يَتأخَّر إلى جهَةِ المَشرِق قليلاً ويُسلِّم على
أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه، ثم يَتأخَّر قليلاً إلى جِهةِ المَشرِق ويُسلِّم
على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ لأنَّهما دُفنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
في حجرةِ عائِشَة.