×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

ولهذا يَقول: «ضَجِيعَيْهِ»؛ أي ضَجيعَي الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فتُسلِّم عَليهم، كان ابن عُمر رضي الله عنه إذا قَدمَ مِن سَفرٍ فإنه يأتي ويُسلِّم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويسلِّمُ على أبي بَكر ويُسلِّم على أبيهِ ثُمَّ يَنصرِفُ، أما إنه كُلَّما دخلَ المَسجدَ يَذهبُ يُسلِّم على النَّبيِّ فهذا بِدعَةٌ، ولكن إذا قدِمَ من سَفرٍ فإنه يُسلِّم عليه.

أمَّا كُلَّما دخل المسْجِدَ يَزورُه؛ فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: «لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا» ([1])؛ يعني لا تَتردَّدوا عليه وتَجعَلوه مكانًا يُعتاد المَجيءُ إليه؛ لأن هذا وسِيلَةٌ إلى الشِّرك، وما كان الصَّحابَة كُلَّما دخلوا المَسجِد اتَّجهُوا إلى قَبرِه، ولكن الصَّلاة والسَّلام على النَّبيِّ مطلوبةٌ في أيِّ مكانٍ حتى ولو أنت في أقْصَى الدُّنيا، تُصلِّي وتُسلِّمُ عليه ويَبلُغُه ذلك، قال: «صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ»؛ فليس هذا خاصًّا بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليه عند قَبرِه، وإنما هذا مَشروعٌ في أي مكانٍ.

ولا خاصِّيَّةَ للصَّلاة والسَّلام عليه عند قَبرِه عن الصلاة والسلام عليه لمن بَعُدَ عَن قَبره، فالمسألَةُ مَسألةُ اتِّباعٍ واقْتداءٍ وابْتعادٍ عن وسائِلِ الشِّركِ والغُلوِّ، هذا هو المطلوبُ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا»، وقال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([2])؛ حذَّرَ صلى الله عليه وسلم وأنذَرَ، فلا يجوز الغُلوُّ في قَبرِه صلى الله عليه وسلم، والسَّفرُ من أجل زيارَتِهِ.


الشرح

([1] أخرجه: أبو داود رقم (2042)، وأحمد رقم (8804)، والطبراني في «الأوسط» رقم (8030).

([2] أخرجه: الإمام مالك في «الموطأ» رقم (416).