الحالَةُ
الثَّالِثَةُ: إذا استَنفَرَه إِمامُ المُسلِمين؛ لأنَّ الجِهادَ مِن صَلاحيَّات
الإمامِ، فإذا استَنفَره فإنَّه يَجب عليهِ الطَّاعَةُ والإجابَةُ، قال الله
تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ
ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [التوبة: 38]، قال النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ،
وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» ([1]).
هذه الأحوالُ
الثَّلاثُ التي يَجبُ فيها الجِهادُ على الأعْيانِ، أمَّا ما عَداها فَالجِهادُ
فَرضُ كِفايَةٍ، إذا قامَ به من يَكفِي سَقطَ الإثْمُ عنِ البَاقِينَ، فإذا قامَ
بِالجهادِ فئَةٌ من المُسلمينَ وجُندٌ من جُنودِ المُسلمينَ، فإنَّه يبقَى في
حَقِّ البَقيَّة سُنَّةٌ، وهو من أفْضلِ الأعْمال بعد الفَريضَةِ.
قال تعالى: ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ
ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [التوبة: 5]،
والحكم إذا عُلق بِوَصْفٍ؛ فمعناه أنَّ ذلكَ الوَصفَ عِلَّة لذلكَ الحُكم،
فالوصْفُ هنا الشِّركُ؛ فلما قال ﴿فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ دلَّ على أنَّهم يُقاتَلون
لأجْلِ الشِّركِ باللهِ عز وجل ؛ لأنَّ اللهَ خلَقَ الخَلقَ ليُعبد وحْدَه ولا
يُشرك معه أحَدٌ، فيكونُ الجهادُ لِتخليصِ العِبادَةِ للهِ عز وجل، ويكون الدينُ
له وحْدَه، لا يكونُ هناكَ دينٌ لغيرِه وعبادَةٌ لغيرِه؛ لأنَّه هو الخالِقُ
الرَّازقُ المُستحِقُّ للعِبادَة، هذا هو الغَرضُ منه، ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي
سَبِيلِ الله» ([2]).
فالغرضُ من الجهادِ أن تَكونَ كَلمَةُ اللهِ هي العُليا.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2783)، ومسلم رقم (1353).
([2]) أخرجه: البخاري رقم (3)، ومسلم رقم (1904).