×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَمَا مُحْسِنٌ يَبْغِي إِذَا مَاتَ رَجْعَةً *** سِوَى الشُّهَدَا كَيْ يَجْهَدُوا فِي التَّزَيُّدِ

*****

 إن بَقي رَجَع بالأجْرِ والغَنيمَة، وإن قُتلَ فهو أفْضلُ وأعْلَى ويكونُ شهِيدًا في سَبيلِ اللهِ، وكَفى هَذا شَرفًا للجِهاد في سَبيلِ الله.

لا أحد من المُؤمِنينَ يَتمنَّى الرُّجوعَ إلى الدُّنيا بعدَ المَوتِ إلاَّ الشَّهيدُ؛ فإنَّه يتمنَّى إذا قَالَ اللهُ لَهُ: «مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدِي؟»، قال: أُريدُ أن أرْجعَ إلى الدُّنيا، فأُقتَلُ في سَبيلِك ثُمَّ أُقتَلُ ثم أُقتَلُ. لما يَرى من عِظَمِ الأجْرِ والثَّوابِ، فهو يُريدُ الزِّيادَة، فهذا دليلٌ على فَضلِ الشَّهادَةِ في سَبيلِ اللهِ عز وجل.

والله جل وعلا يقول: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٧٠ يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ[آل عمران: 169- 171]، فهذا ترغِيبٌ في الشَّهادَةِ في سَبيلِ اللهِ وأنَّها حياةٌ؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ[البقرة: 154].

فالشَّهيدُ حيٌّ، ولكنَّها حياةٌ برزخيَّةٌ ليستْ حياةً دنيويَّةً، فلذلك تعتَدُّ امرأَتُه وتَتزَوَّجُ من بَعدِه ويُقسَّم مِيراثُه، فحياتُه في الدُّنيا انتَهتْ، ولكنَّه حيٌّ في الآخِرَة، حياةٌ أكمَلُ من حَياتِه في الدُّنيا ولا يعْلَمُها إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى، ولذلك الشَّهيدُ لا يُصلى عليه ولا يُغسَّلُ ويُكفَّنُ في ثيابهِ التي قُتلَ فيها والتِي فيها دِماؤه؛ لأنَّهُ حَيٌّ عند ربِّه ولتَبقَى عليهِ آثارُ الشَّهادَة.


الشرح