×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

أَتَى بِخُصُوصٍ فِي الدُّعَاءِ مُبَعِّضًا *** وَلَوْ عَمَّ طَارَ الشَّوْقُ بِالنَّاس عَنْ يَدِ

تَحِنُّ إِلَى أَعْلاَمِ مَكَّةَ دَائِمًا *** قُلُوبٌ إِلَى الدَّاعِي تَرُوحُ وَتَغْتَدِي

رِجَالاً وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ *** يُلَبُّونَ دَاعِي الحَقِّ مِنْ كُلِّ مُوْرِدِ

يَطِيرُ بِهِمْ شَوْقًا إِلَى ذَلِكَ الحِمَى *** لِتَحْصِيلِ وَعْدِ النَّفْعِ فِي خَيْرِ مَشْهَدِ

*****

مِن رَحمَةِ اللهِ أنَّهُ أَوجَبَ الحَجَّ عَلَى المُستَطِيعِ فَقالَ: ﴿مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ [آل عمران: 97]، وَلَو عَمَّمَ الأمْرَ لحَجَّ النَّاسُ كُلُّهم، وَلا يَتأخَّرُونَ، وَلكِنَّ اللهَ خَصَّ المُستطِيعَ. أمَّا لو قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ [آل عمران: 97] ولم يأتِ قَولُه: ﴿مَنِ ٱسۡتَطَاعَ لحَجَّ النَّاسُ كُلُّهُم، ولا يَتأخَّر أَحدٌ.

قال تَعالَى: ﴿وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا [البقرة: 125]، مَثابَةً: قالُوا: إِنَّهُ كُلَّما ذَهبُوا يَرجِعُونَ إليهِ، ولا تَشبَعُ قُلوبُهم مِنهُ أبدًا، فهُو بِمَنزِلَةِ المَغْناطِيس لِلقُلُوبِ، وقِيل: «مثابة» يَعنِي: أَنَّهُ مَكانٌ للثَّوابِ والأُجورِ. والظَّاهِرُ، والله أعلم أنَّهُ يَشمَلُ المَعنَيَيْنِ، أنَّهُ مَحَلُّ ثَوابٍ وأنَّهُ مَرجِعٌ للنَّاسِ، ولا أَحَد يَشبَعُ مِنه أبدًا، كُلَّما خَرجَ يَوَدُّ أنَّهُ يَرجِعُ إِلَيهِ. «تَحِنُّ إِلَى أَعْلاَمِ مَكَّةَ» أَعلاَم مَكَّة: يَعنِي: المَشاعِر، «قُلُوبٌ إِلَى الدَّاعِي» إِلَى الدَّاعِي، وهو الخَلِيلُ عليه السلام بأمْرِ اللهِ ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ [الحج: 27].

«رِجالاً وَرُكبانًا» الرِّجالُ: هُم المُشاةُ، والرُّكبانُ: الرَّاكِبُونَ عَلَى المَركُوباتِ بِكُلِّ زَمانٍ بِحَسبِه، فَتجِدُهم يأتُونَ إِلَى هذا البيتِ، يَمشُونَ ورَاكبِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ مِن فِجاجِ الأرضِ عَميقٍ يَعنِي: بَعيدٍ.

يَحِنُّونَ إِلَى ذلكَ الحِمَى، وَهو الحَرَمُ، الَّذِي جعلَهُ اللهُ عز وجل.


الشرح