×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

عَلَى كُلِّهِمْ قَدْ هَانَ نَفْسٌ عَزِيزَةٌ *** وَأَهْلٌ وَمَالٌ مِنْ طَرِيفٍ وَمُتْلَدِ

*****

تَحِنُّ القُلوبُ إِلَيهِ، يَرجُونَ النَّفعَ فِي قولِهِ تَعالَى: ﴿لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ [الحج: 28]، ﴿لِّيَشۡهَدُواْ يَعْنِي: يَحضُروا ﴿مَنَٰفِعَ لَهُمۡ فِي الحجِّ مَنافِعُ كَثيرة لا تُحصَى.

سُبحانَ اللهِ! تَجِدُ النَّاسَ يَحِنُّونَ إِلَى هذا البيتِ وإِلَى الحجِّ والعُمرَةِ، لا يَأتُون إليهِ يُريدُونَ طَمَعَ الدُّنيا، بَل هُم يُنفِقُونَ أموالاً، لا يأتُونَ يُريدُونَ رَفاهِيةً وراحةً ونُزهةً؛ بل يَأتُونَ عَلَى تعبٍ ومَشقَّةٍ، وَيتعرَّضُونَ للمخاطرِ والتَّعبِ الشَّديدِ، لا يأتونَ بِسَببِ أَنَّ أحدًا مِنَ الخَلْقِ يَسُوقُهم مِن مَلِكٍ أو جَبَّارٍ أو سُلطانٍ، وإنَّما هُم مِن أَنفُسِهم تَسُوقُهم قُلُوبُهم وَرَغباتُهم، هذا مِن آياتِ اللهِ سبحانه وتعالى، ولو قِيلَ للناس: لا بُدَّ كُلَّ سَنةٍ أنَّكُم تُسافِرون إِلَى بلدٍ بَعيدٍ. ماذا يكونُ مِن النَّاسِ مِنَ التَّعبِ والتَّلَكُّؤ والأعذار والتأخُّر. أمَّا السَّفَر إِلَى مَكَّة فما أحَدٌ يَخافُ مِنهُ، أو يَتثاقَلُ عَنه، بل تَجِدُه يَرغَبُ فِيه دائمًا وأبدًا.

وقولُه:

«عَلَى كُلِّهِمْ قَدْ هَانَ نَفْسٌ عَزِيزَةٌ *** وَأَهلٌ وَمَالٌ مِنْ طَريفٍ وَمُتْلَدِ»

يَخرُج مِن بيتهِ وَأولادِه وبَلدِه، وَيذهبُ إِلَى هذا البَيتِ تَهونُ عَليهِ هذه الأمورُ، وهيَ أَغْلَى شيءٍ عِندَهُ، تَهونُ عَليهِ، وَينساها، وذلِكَ رَغبةً مِنهُ؛ لأنَّ قَلبَهُ يَحدُوُه، وَيسُوقُه إِلَى هذا البيتِ.

و «الطَّرِيف» هو المالُ القديمُ، و «التَّلِيد» هو المالُ الجديدُ. يَعْنِي: يَرخُصُ عليهم المالُ طَريفُهُ وتليدُهُ، قَدِيمُهُ وجدِيدُهُ، يَبذُلُونَهُ فِي سبيلِ الله، ويُنفِقُونَه فِي الحَجِّ.


الشرح