رَضُوا
عَنْ مَدِيدِ الظِّلِّ قَطْعَ مَهَامِهَ *** يَظَلُّ بِهَا
نِحْرِيرُهَا لَيْسَ يَهْتَدِي
وَلَذَّ
لَهُمْ فِي جَنْبِ مَا يَبْتَغُونَهُ *** سَمُومٌ بِجَهْلاَءِ
المَعَالِمِ صَيْخَدِ
يَهُونُ
بِهَا لَفْحُ الهَجِيرِ عَلَيْهِمُ *** كَهَجْرِ مُحِبٍّ يَرْتَجِي
صِدْقَ مَوْعِدِ
وَكُلُّ
مُحِبٍّ قَابَلَ الهَجْرَ بِالرِّضَا *** سَيَجْنِي بِمَا يَرْضَاهُ
مِن كُلِّ مَقْصِدِ
فَكَمْ
مِنْ رَخِيِّ العَيْشِ حَرَّكَهُ الهَوَى *** فَقَامَ
بِأَعْبَاءِ الرَّجَا سَاغِبًا صَدِ
*****
رَضُوا مِن البقاءِ
فِي الظِّلِّ الباردِ إِلَى قَطْعِ المَهامِهِ البَعِيدَةِ فِي البرارِي الَّتِي
فِيها لَفحُ السُّمُومِ وفِيها الهَجِيرُ، وفِيها التَّعبُ يَخرُجونَ مِن
الظِّلِّ، ويَتحمَّلُونَ هذه المَشاقَّ، وَهِيَ ألَذُّ شَيءٍ عِندَهُم، ألَذُّ مِن
الظِّلِّ، هذا السَّفرُ بِما فِيه مِنَ المَشاقِّ ألَذُّ عِندهم من الظِّلِّ
الباردِ، هذا مِن عَجائِبِ قُدَرةِ الله سبحانه وتعالى.
وَلَذَّ لَهُم
السَّمُومُ، وهو مَسُّ الهواءِ الحارِّ أثناءَ السَّفَرِ. يَتلَذَّذُونَ بهذا؛
لأَنَّهم يَحِنُّون إِلَى هذا البيتِ؛ فَلا يَلتَفِتُون إِلَى ما يَلفَحُهم مِنَ
الهَجِيرِ والسَّمُومِ، والمَفاوِز الخَطِرَة والبَرارِي البعيدةِ، كُلُّ هذا
يَهونُ عَليهِم.
كُل ما يَلقَوْنَ
مِنَ التَّعبِ والمَشقَّةِ فإِنَّهُم يَتلذَّذُونَ بِه؛ لأنَّ الشَّوقَ يَسُوقُهم
لِمَكَّةَ.
المُحِبُّ إذا طَمِع
فِي لِقاءِ حَبِيبِه فإنَّهُ يَصبِرُ عَلَى المَشاقِّ، وأحَبُّ شيءٍ إليهم هو
رُؤيَةُ هذا البيتِ العَتِيقِ والطَّواف حَولَهُ، هذا أَحبُّ شَيءٍ إليهِم مَهما
كَلَّفَهُم هذا مِن التَّعبِ فِي الطَّرِيقِ والإنفاقِ للأموالِ فإِنَّهُم تَهونُ
عَليهِم هذهِ الأُمورُ فِي جانبِ لِقاءِ الحَبِيبِ.
كَم مِنْ مُترَفٍ
مُنعَّمٍ فِي القُصورِ والمَلذَّاتِ يَخرُج مِنها،