×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَا *** وَمِنْ خَيْرِ بِرِّ المَرْءِ وَقْفٌ مُؤَبَّدِ

*****

المالِ الحلالِ الذي يُمسِكه صاحِبُه عن الإنفاقِ وبذْل المَعروف، قال تعالى: ﴿وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ [المعارج: 18].

«وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قالوا له: سَمِعَ إخوانُنا الأغنياءُ ما نقول - يعني من الأذكارِ التي علَّمَهُم إياها بعد الصَّلاة، قالوا: سَمِعها إخوانُنا الأغنياءُ فصَاروا يقولون مِثلَنا - قال صلى الله عليه وسلم: «﴿فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ [المائدة: 54] » ([1]).

وقوله: «وَمِنْ خَيْرِ بِرِّ المَرْءِ وَقْفٌ مُؤَبَّدِ»؛ انتقل إلى الوَقْفِ، يعني: الوقفُ خيرٌ من الصَّدقَة، والوقْفُ هو تَحبيسُ الأصْلِ وتَسبيلُ المَنفَعَةِ، بأن لا يُباع ولا يُوهَبَ ولا يُنقلَ المِلكُ فيه، بل يبقى أصْلُه ويُتصدق من غَلَّتِه، هذا هو الوقْفُ وفيه فضلٌ عظيمٌ، وهو الصَّدَقة الجارِيَة.

قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آَدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» ([2])، فالصَّدقَة الجارِيَة هي الوَقفُ يَجري أجْرُها ونفْعُها على صاحِبِها بعد مَوتِه، مادام هذا الوَقفُ يُغل ويَنفَعُ فإن أجرَه يَجري لصَاحِبه وهو مَيِّتٌ، وهذا فضلٌ عظيمٌ، وما من الصَّحابَة أحدٌ له مالٌ إلاَّ وقَف، كما جاء في الأثَرِ؛ طلبًا للأجْرِ، فالوقف فيه خير وينفع ويجري أجره على صاحبه وهو ميت.


الشرح

([1] أخرجه: مسلم رقم (595).

([2] أخرجه: مسلم رقم (1631).