×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

إِذَا انْقَطَعَتْ أَعْمَالُ بِرِّ الفَتَى أَتَى *** إِلَيْهِ أَنِيسًا عِنْدَ وَحْشَةِ مُفْرَدِ

وَمِنْ أَعْظَمِ المَنْدُوبِ عِتْقٌ وَخَيْرُهُ *** عَبِيدٌ وَعَنْهُ بَلْ إِمَاءٌ لِخَردِ

*****

وقوله: «وُقْفٌ مُؤَبَّد»؛ يعني مُحَبَّس مُسَبَّلٌ لا يُباع ولا يُورَّثُ ولا يُوهب، يعني يبْقَى ويُستغَلُّ في الخير، وكل ما خَرج منه من خَيرٍ فإن أجرَه لصَاحِبه، سواءً كان من الأموالِ الثَّابتة كالعقارات، أو من الأموالِ المَنقولَةِ كالسَّيَّارات والسِّلاح وغير ذلك، فهذه كلها تُسَمَّى بالوقف.

إشارةٌ إلى الحديث: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آَدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ»؛ فالوقْفُ لا يَنقَطِعُ بالموتِ، وإنَّما يَستمرُّ ويؤنِسُ صاحِبَه في القبر؛ لأنه يأتيه الأجْر وهو مَدفونٌ في لَحدِه تَقرُّ به عَينُه، وهذا فضل عظيم.

لما فرغَ من الوَقفِ انتقَل إلى العِتقِ، والعِتقُ: هو تَحريرُ الرَّقيق، والله سبحانه وتعالى جعل العِتقَ في الكَفَّارات: كفَّارَةُ القَتلِ؛ وكفَّارَة الظِّهارِ؛ وكفَّارَة اليَمينِ، وقال جل وعلا: ﴿فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ ١١ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ ١٢ فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد: 11- 13]، فَكُّ رقَبَةٍ: إعتاقُها، فالعِتقُ معناه: إخراجُ المَملوكِ من الرِّقِّ إلى الحُرِّيَّةِ، وهذا فيه فضلٌ عظيمٌ؛ لأنه يمُنُّ على هذا المَملوكِ الذي كان يَجرِي مَجرى الأموال يُباع ويُشترى، يمنُّ عليه فَيصيرُ حُرًّا يتصرَّف بِنفسِه ولا يكون لأحدٍ عليه ولاية، فهذا فضلٌ عظيمٌ.

ولهذا جعلَ الشَّرعُ الولاءَ لمن أعْتقَ، أي للمُعتِقِ مِيراثُ عَتيقِه إذا لم يكن له وارِثٌ بفَرضٍ أو تَعصيبٍ، فالعَتيقُ إنْ كانَ له ورثة بالفرضِ


الشرح