وَيُعْرَفُ
أَرْبَابُ الأَمَانَاتِ عِنْدَهَا *** وَكُلُّ خَؤُونٍ بِالتَّصَنُّعِ يَرْتَدِي
يُرِي
النَّاسَ أَبْوَابَ التَّزَهُّدِ حِيـلَـةً *** وَيَسْعَى
لِتَحْصِيلِ الحُطَامِ المُزَهَّدِ
*****
لا يُعرف السَّخيُّ
إلاَّ بالإنفاقِ، ولا يُعرف الشُّجاعُ إلاَّ بالإقدامِ وعدم الخَوَرِ والخَوفِ.
وعند الأمْوالِ
يُعرَفُ الجَوادُ من البَخيلِ، ويعرف الزَّاهدُ من الحَريصِ على الأموالِ؛ لأنَّها
امتحانٌ، كما أنه عندَ الأموالِ يُعرف الأمين من الخائِن. بعضُ النَّاس يكون عنده
أمانَةٌ مهما أودعْتَ عندَه من المالِ، أو صار لك عندَه منَ الدُّيونِ، فإنه
يُبادِرُ بأدائها وحِفظِها لأنَّه أمين، وبعضُ الناسِ يُغريه المالُ فيأكُل أموالَ
النَّاس بالباطِل ويُماطلُ ويَسرقُ ويَخون؛ لأنه يُحبُّ المال، وحُبُّ المالِ
يحمِلُه على الخِيانَةِ.
أما التَّقِيُّ فهو
وإن كان يُحبُّ المال؛ فإنه لا يُقدِّمُ حُبَّ المال على طاعَةِ اللهِ عز وجل، بل
يُقدِّم طاعَة اللهِ على حُبِّ المال: ﴿وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا
وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ﴾ [آل عمران: 92]، ﴿وَلَا تَيَمَّمُواْ
ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ﴾ [البقرة: 267].
فبهذا يُعرف
الإنسانُ الباذلُ الذي يريدُ الخَيرَ من الإنسانِ الذي لا يُريدُ الخَيرَ ولا
يريدُ النَّفعَ للنَّاسِ، يُعرف عند المال، والمال فتْنَةٌ كما قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ
وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ﴾ [التغابن: 15].
هذا الذي يَخدَعُ
النَّاسَ؛ يُظهرُ للنَّاس التُّقَى والصَّلاحَ وهو خَائنٌ في باطنِ أمره، ويُظهر
للنَّاس أنَّه أمِين وهو خَائِنٌ، يأكل أموالَ النَّاس بالباطِل إذا تمكَّن منها.
فالأموالُ تكشِفُ النَّاس، الأموالُ والأطماعُ تَكشِفُ النَّاس، تكشِفُ الذي
عندَهُ تُقى من الذي لَيسَ عندَه