×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

فَسَارِعْ إِلَى كَسْبِ المَعَالِي وَدَعْ فَتَى *** تَوَانَى عَنِ العَلْيَا لِكَسْبِ مَصْرَدِ

فَمَا المَالُ إلاَّ كَالظِّلاَلِ تَنَقُّلاً *** فَبَادِرْ إِلَى الإِنْفَاقِ قَبْلَ التَّشَرُّدِ

وَلاَ تَحْسَبَنَّ البَذْلَ يُنْقِصُ مَا أَتَى *** وَلاَ البُخْلَ جَلاَّبَ الغِنَى وَالتَّزَيُّدِ

*****

بادرْ إلى العَليا بإنفاقِ المالِ الذي أعطاكَ اللهُ، قَدِّمْهُ لآخِرتِك تجِدْه عندَ الله سُبحانه، ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ [المزمل: 20]. فالمالُ الذي تُنفِقه في طاعَةِ اللهِ يكون لك يوم القيامة مُدَّخرًا تجده أحوجَ ما تَكون إلَيه، أما المال الذي تَحبِسه فهذا تَذهَب وتَترُكه لغيرك، ويكونُ عليك حسابُه وعقابُه ولا تستَفيد مِنه شَيئًا.

المالُ عرضٌ زائِلٌ مثل ظِلِّ الشَّمسِ، ينتَقِلُ بِسرعَةٍ ويزولُ بِسرعَةٍ، تراه اليَومَ غَنيًّا وغدًا فقيرًا، فالمالُ ما هو بِثابِتٍ، كم من غَنِيٍّ افتَقَر وكم من فَقيرٍ أغناهُ الله، فالمالُ دُولَةٌ بين النَّاس يداولُه اللهُ بينَ النَّاس. وإذا كانَ كذلك فأنتَ بَادرْ قبلَ أن يزولَ عنكَ المالُ، وانفع نَفسَك مِنه.

البذلُ في سبيلِ اللهِ لا يُنقِصُ المالَ، بل يزيدُه ويُحِلُّ فيه البَركَةَ، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ[سبأ: 39]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» ([1])؛ بل الصَّدقَةُ تُسبِّبُ له الزِّيادَةَ والنُّمُوَّ والبَركَةَ.

وأما الإمْساكُ فلا تُظنَّ أنَّ الإمساكَ يزيدُ مالَكَ، بلْ يُنقِصُه ويُسلِّطُ عليه الآفاتِ والتَّلف؟ والغِنى غِنَى القَلبِ، ليسَ الغِنى عن كَثرَةِ العَرضِ، فمن النَّاس من هو غَنيُّ القَلبِ ولو كان ماله قليلاً، ومن الناس من قَلبُه فَقيرٌ وإن كان ماله كثيرًا، فهو فَقير القلب.


الشرح

([1] أخرجه: الترمذي رقم (2325)، وأحمد رقم (18031)، وأبو يعلى رقم (849).