×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

فَخُذْ فِي سَبِيلٍ لِلسَّلاَمَةِ وَاجْتَنِبْ *** تَوَلِّي القَضَاءَ وَاحْفَظْ لِنَفْسِكَ وَارْتَدِ

فَكُلُّ وِلاَيَاتِ الأَنَامِ نَدَامَةٌ *** سِوَى مَنْ وَقَى اللهُ المُهَيْمِنُ فِي غَدِ

*****

السلامة من القَضاءِ خَيرٌ بلا شك، كونُ الإنسانِ يَسلمُ ولو كان عالمًا، السَّلامةُ لا يعدِلُها شيءٌ، ولهذا تَورَّع كثيرٌ من الأئمة كالإمامِ أبي حَنيفَة وغيره؛ تورَّعُوا عن منصِبِ القَضاء، وكذلك الإمام مالك، وهذا إذا كان يوجَدُ في الأمَّةِ من يَصلُح للقضاء فإنه لا يَتعيَّن عليه بل يَنبغي له أن يُحاوِل السَّلامة.

أما إذا لم يكن هناك غَيرُه، ولا أصلحَ للقَضاءِ منهُ، فهذا يتعيَّنُ عليهِ أن يَقبلَ؛ وحتى ولو لم يُطلبْ مِنه يَنبغِي أن يتقَدَّمَ هو ويطلُب من الإمام أن يُولِّيَه لأجل إقامَةِ العَدلِ بين الناس، كما قال يوسُفُ عليه السلام: ﴿قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ [يوسف: 55]، فإذا عَرفَ من نَفسِهِ الكِفايَةَ والأمانَةَ، وليس هناك أحَدٌ يقومُ بالواجِب، فإنَّه يَجبُ عليهِ ويَتعيَّن علَيهِ.

كونُ أنَّ الإنْسانَ لا يَتولَّى شيئًا من أمورِ النَّاس أحْسنُ، إلاَّ إذا اضطُرَّ إليه ولم يُوجد غيره، أما السَّلامَةُ فلا يعدِلُها شيءٌ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّ الإمارَةَ تَكونُ ندَامَةً يوم القيَامَة، وقال لعبد الرحمن بن سمرة: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ سَأَلْتَهَا وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْهَا أُعِنْتَ عَلَيْهَا» ([1])؛ فالذي يَسألُ الوِلايَةَ فِي غير الحالة التي ذكرنا، حالة الاضْطِرارِ فإنَّه يُخلَّى بينه وبينها، ولا يعانُ منَ


الشرح

([1] أخرجه: البخاري رقم (7146)، ومسلم رقم (1652).