فمِنْ حِكْمَةٍ
إِبْداؤُنَا وأُمُورُنا *** ذواتُ ارْتباطٍ لا ذواتُ تَوحُّدِ
فكلُّ
امْرِئٍ لا يَسْتقِلُّ بأَمْرِهِ *** فسُنَّ لنَا سُبُلُ التَّعاوُنِ فَاهْتَدِ
*****
كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]، ﴿وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ
فَٱصۡطَادُواْۚ﴾ [المائدة: 2] أَمَرَ اللهُ باتِّخاذِ الأَسْبابِ
وبالأَعْمال ولا يُرْشى لنا أَنَّنا نُعطِّل الأَسْبابَ ونجلس ونقول: المقسومُ
سيحصل، بلْ المقسوم سيحصل إِذَا عَمَلْنا أَسْبابَها؛ لأَنَّ اللهَ جعَل
الأَشْياءَ مربوطةً بأَسْبابِها، فإِذَا فَعَلْتَ السَّببَ فالذي يُرتِّبُ الثَّمرةَ
هو اللهُ، أَنْتَ مِن قِبَلِك السَّببُ، واللهُ جل وعلا مِن قِبَلِه إِيْجادُ
المَصْلحة وثمرةِ السَّبب، فهذه حِكْمةٌ مِن أَعْظم الحِكَمِ مِن اللهِ جل وعلا.
مِن حِكْمتِه سبحانه
أَنَّه جعَل بعضَنا مُرْتبطًا ببعضٍ؛ لأَنَّ مصالحَ النَّاس مرتبطٌ بعضُها ببعضٍ،
ولهذا يقولون: الإِنْسانُ مدنيٌّ بالطَّبْع، لا يعيش وَحْدَهُ أَبَدًا لأَنَّ
اللهَ جعَل النَّاسَ يرتبط بعضُهم ببعضٍ، يتزاوجون ويتعاونون ويتعاملون بالبيعِ
والشِّراءِ، الاجْتماعُ فيه مصالحُ.
مِن الحِكْمة أَنَّ
اللهَ جعَل بعضَنا مرتبطًا ببعضٍ مِن أَجْل التَّعاوُنِ على مصالحِنا؛ لأَنَّ
الإِنْسانَ لا يَقْدِرُ أَنْ يقومَ بمصالحِه وَحْدَه، لابدَّ مِن الارتباط
بالنَّاس.
والله جل وعلا
أَمَرَنا بالتَّعاوُن فقال: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ
عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: 2] دلَّ على أَنَّه لا بدَّ مِن التَّعاون،
والتَّعاونُ قسمان، تعاونٌ مشروعٌ وفيه أَجْرٌ، وتعاونٌ مُحرَّمٌ وفيه إِثْمٌ،
فالتَّعاوُنُ على ما فيه الخيرُ هذا فيه أَجْرٌ وثوابٌ وهو البِرُّ، والتَّعاوُنُ
على الإِثْم والعُدْوانِ فيه إِثْمٌ لأَنَّه عُدْوانٌ، ويُسبِّب فسادَ المُجْتمع.