×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وطورًا أَبَاحَ الجَهْل عِندَ تعذُّرِ التّـ *** ـعَيُّنِ ومِن هذا المضاربةُ اعْدُدِ

*****

النَّاسُ للنَّاسِ مِن بَدْوٍ وحاضرةٍ *** بَعْضٌ لبَعْضٍ وإِنْ لَمْ يَشْعُرُوا خَدَمُ

يخدُم بعضُهم بعضًا.

وقوله: «في فعلِ شَيْءٍ مُقيَّدِ» معناه أَنَّه لا بدَّ أَنْ يكونَ التَّصرُّفُ الموكلُ فيه محدودًا لا مطلقًا؛ وأَنْ تكونَ الأُجْرةُ معلومةَ المِقْدار والجِنْسِ.

البيعُ والشِّراءُ لا بدَّ أَنْ يكونَ كلٌّ مِن الثَّمَنِ والمُثْمَنِ معلومًا، لكنْ تُغْتفر الجهالةُ اليسيرةُ أَحْيانًا.

فمِن حِكْمة الله جل وعلا أَنَّه نَهَى عن الغَرَرِ والجَهالةِ في العُقود، فلا بدَّ أَنْ تكونَ مَبْنِيَّةً على المعرفةِ والتَّحْديد لأَجْل قطعِ النِّزاع بين النَّاس، لكنْ في بعض المعاملاتِ يُغْتفَرُ فيها الجهلُ اليسيرُ، كبيع ما مأْكولة في جوفه؛ لأَنَّه لا يمكن بيعُه إلاَّ بهذه الحالة، فيُغْتفَرُ الجهلُ في مثل هذا، كذلك المضاربةُ يُغْتفَرُ فيها بعضُ الجهالة، والمضاربةُ معناها أَنْ تدفعَ مالاً لمَن يتَّجر به بجُزْءٍ مِن رِبْحِه، يكون المالُ مِن شخصٍ والعملُ مِن شخصٍ، ويكونُ الرِّبْحُ بينهما، وفي المضاربة نصيبُ العامل غير معلومٍ، لا تدرى يَأْتي شيءٌ أَمْ لا يَأْتي شيءٌ، هذا يُغْتفَرُ لأَنَّه لا يمكن قيامُ المضاربةِ إلاَّ بِهذا، والمضاربةُ معاملةٌ ثابتةٌ عن الصَّحابة معلومةٌ، ومُجْمَعٌ عليها بَيْنَ العلماءِ، وهي معاملةٌ طيِّبةٌ فيها مصالحُ؛ فإِنَّه قد يكون عند الإِنْسان مالٌ ولا يَقْدِرُ على العمل، ويكون عند الإِنْسان قُدْرةٌ ومعرفةٌ وليس عنده مالٌ، فيحصل المصلحةُ للاثْنَيْنِ لصاحبِ المالِ ولصاحبِ القُدْرة على العمل، وإِنْ كلٌّ فيه نوعٌ مِن الجهالة، لكنَّها


الشرح