وحِكْمَةُ
بيعٍ واْشتِراءٍ لذِي النُّهَى *** تُوَصِّلُ ذِي فَقْرٍ إِلَى كُلِّ مَقْصِدِ
*****
اللهُ جل وعلا أَحلَّ البيعَ والشِّراءَ لحِكْمةٍ عظيمةٍ، وهي أَنَّ النَّاسَ يحصُلون على ما يُغْنيهم ويُقِيمُ مصالحَهم؛ لأَنَّ الذي عنده السِّلَعُ ما يبذلها إلاَّ بثَمَنٍ، والذي عنده النُّقودُ أَيْضًا ما يبذلها إلاَّ بثَمَنٍ، فلو مُنِعَ البيعُ والشِّراءُ تعطَّلتِ المصالحُ، فأَنْت عندك نُقودٌ تريد سِلْعةً، وهذا عنده سِلْعةٌ يريد نقودًا، فاللهُ جل وعلا جعَل البيعَ والشِّرَاءَ وسيلةً لتحصيلِ المصالح، فالمُشْتري ينتفعُ بالسِّلْعة والبائِعُ ينتفع بالثَّمن، بهذا تقوم مصالحُ العباد، ولهذا قال جل وعلا: ﴿وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ﴾ [البقرة: 275] لأَجْلِ مصالحِ العباد، لو أَنَّه جلَس وترَك البيعَ والشِّراءَ بَقِيَ فقيرًا، فإِذَا تحرَّك وباعَ واشْتَرى، فإِنَّه حينئِذٍ يتكون عنده المالُ، وهذا شيءٌ ظاهرٌ، ولمَّا قدِمَ المهاجرون إِلَى المَدِيْنَةِ وليس معهم شيءٌ واساهم إِخْوانُهم مِن الأَنْصار بأَمْوالِهم، وآخى الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأَنْصارِ، ومنهم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، آخى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنه وبَيْنَ أَحَدِ الأَنْصار، فقال له الأَنْصاريُّ: أَنَا أَتَنازَلُ لك عن نِصْفِ مالي وأَتَنازَلُ لك عن إِحْدى زوجاتي أُطلِّقُها لتتزوَّجَها، فقال عَبْدُ الرَّحْمَن رضي الله عنه: بارَك اللهُ لك في مالِك وأَزْواجِك، دُلَّنِي على السُّوق، يعني محلَّ البيعِ والشِّراءِ، وصار يبيعُ ويشتري حتى أَصْبح مِن أَكْثر الصَّحابةِ ثَرْوةً، وصار يُنْفِقُ مِن أَمْوالِه في سبيل الله ويُجهِّز الغُزاةَ في سبيل الله، ف رضي الله عنه، فهذا يدلُّ على بركة البيعِ والشِّراءِ، وأَنَّها أَنْفعُ مِن الوظيفة، هذه الوظيفةُ التي صار النَّاسُ يتعلَّقون بها والذي لا يتوظف يتعطَّل، لو أَنَّه يبيعُ ويشتري حصَل على المالِ بسُهُولةٍ وهو أَحْسنُ من الوظيفة، أَيُّهم أَكْثرُ ثروةً الموظَّفون أَمِ