تَبَارَكَ ذُو الإِحْكامِ والحِكَمِ الَّتِي *** تحارُ عقولُ الخَلْقِ فيها فتَهْتَدِي

فَفِي كُلِّ شيءٍ حِكْمَةٌ ودَلاَلَةٌ *** لِدَاعٍ على تَوْحِيْدِهِ والتَّفرُّدِ

*****

الذين يبيعون ويشترون؟ الذي يبيع ويشتري أَكْثرُ ثروةً، فلا شكَّ أَنَّ البيعَ والشِّراءَ وسيلةٌ عظيمةٌ للكَسْبِ، والثَّرْوةِ وحصولِ المال.

تبارك أَيْ عظُمتْ بركةُ الله جل وعلا، والبركةُ هي ثبوتُ الخير ودوامُه، فمعنى تبارك الله تعاظمَ سبحانه وتعالى، وكثُر خيرُه وكثرتْ بركتُه وخيراتُه، «ذو الإِحْكام» يعني الإِتْقانَ الذي أَتْقنَ الأَشْياءَ. والحِكَمُ جمعُ حِكْمةٌ، وهي العِلَّةُ التي مِن أَجْلِها شَرَعَ هذا الشَّيء، فاللهُ جل وعلا اسْمُهُ الحكيمُ والحِكْمة صفتُه سبحانه وتعالى، والحكيمُ له معنيان، المعنى الأَوَّلُ: أَنَّه المُحْكِمُ للأَشْياءِ، أَيْ المُتْقِنُ لها، المتقنُ لمخلوقاتِه. ﴿مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ﴾ [الملك: 3] المعنى الثَّاني: يُطْلقُ الحكيمُ ويُرادُ به ذُو الحِكْمة، وهي وضعُ الأَشْياءِ في مواضعها، فالله حكيمٌ بالمعنيَيْنِ، بمعنى المُحْكِمِ، وبمعنى ذِي الْحِكْمة.

والخلقُ إِذَا تأَمَّلوا في حِكْمة الله فإِنَّهم يهتدون ويُؤْمِنون، فالتَّدبُّرُ في مخلوقات الله، وفي أَحْكامِ الله الشَّرْعيَّةِ، وأَحْكامِ الله القَدَرِيَّةِ، إِذَا تدبَّرها الإِنْسانُ صار ذلك سببًا لهدايتِه وإِيْمانِه بالله عز وجل الذي أَتْقَنَ الأَشْياءَ وأَحْكَمَها، والذي يضَعُ الأُمورَ في مواضعِها اللائِقةِ بها، وهذا سببٌ للهداية.

في كلِّ شيءٍ له حِكْمة سبحانه وتعالى، لم يخلق شيئًا عبثًا، بلْ كلُّ شيءٍ خلَقه الله فهو لحِكْمةٍ، لكنَّ هذه الحكمةَ قدْ يُدْركُها الإِنْسانُ وقدْ لا يُدْرِكُها، قدْ تحارُ العقولُ فيها، لكنْ إِذَا لم تدرك الحِكْمةَ فلا تقُلْ:

---

الشرح