×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

لفرطِ اتِّبَاعٍ للنَّبيِّ وصَحْبِه *** فمِنْ أجْلِ ذَا لَم يَستَجِبْ لمُهَدِّدِ

دَعوْهُ إلى قَوْلِ الضَّلالِ فلَمْ يُجِبْ *** ورَدَّ عَليهِمْ ردَّ خَيرٍ مُسَدَّدِ

                                                          ****

 يَستطِيعُه، وأقْربُ المَذاهِب الأرْبَعَةِ إلى الدَّلِيلِ هُو مَذهَبُ الإمَامِ أحْمَد؛ لأنَّه إمَامُ المُحدِّثِين وإمَام أهْلِ السُّنَّة فمَذْهبُه أقْرَبُ المَذَاهِب إلى الدَّلِيلِ، ولذَلِكَ كثرٌ من المُؤلِّفِينَ في الزَّمانِ السَّابقِ يذكرُونَه معَ المُحدِّثينَ ولا يَذكُرونَه مع الفُقَهاءِ؛ لأنَّهم يقُولُونَ: إنَّه مُحدِّث من المُحدِّثِينَ لم يؤلِّف في الفِقْه، والوَاقِع أنَّه مُحدِّثٌ وفَقِيهٌ؛ ولذَلِك لا أشدَّ على المُبتدِعَةِ الآنَ من الحَنابِلَةِ؛ لأنَّهُم يَحرصُونَ على الدَّلِيل؛ لأنَّ إمَامَهُم رحمه الله كَانَ يَحرِصُ على الدَّلِيلِ.

هذَا هُو السَّببُ، يَعنِي لمَاذَا كَانَ مذْهَبُ أحْمَد هُو أقرَبُ إلى الدَّليلِ مِن غَيْرِه؟ لأنَّه يَحرِصُ رحمه الله على اتِّباعِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ولذَلِكَ لَم يَكتُبْ في الفِقْه مُؤلَّفًا، بَل مَذهَبُه رَواهُ عَنْه أصْحَابُه بالدُّرُوسِ والرَّسَائِل والفَتَاوَى الَّتِي يَكتُبهَا، والفَتاوَى الَّتِي يُرسِلُها، ويَسْألُ عَنْها، جَمعُوه من هذِه الأمُورِ، مِن إمْلاَئِه ودُرُوسِه ومِن رَسَائِلِه ومِن فَتاوَاهُ، جَمعُوا مَذهَبَه من هذِه الأمُورِ، إنَّمَا تَلقَّوا مَذهبَه تَلقِّيًا.

والإمَامُ أحْمدُ «لَم يَستَجِبْ لمُهَدِّدِ» وهُو المَأمُونُ والمُعتَصِمُ والوَاثِقُ لمَّا هَدَّدوهُ وضَربُوه وسَجنُوه، من أجْلِ أنْ يَقولَ بخَلْق القُرآنِ، أبَى وصَبَر على الضَّربِ والحَبْسِ والإهَانَةِ.

لمَّا «دَعَوْهُ إلى قَوْلِ الضَّلالِ» وهُو القَولُ بخَلْقِ القُرآنِ فلَمْ يُجبْ، وامْتنَعَ وأبَى أنْ يقُولَ، حتَّى التَّأوِيل أبَى أنْ يَتأوَّلَ، بَل يقُولُ: القُرآنُ كَلامُ اللهِ، يقُولُونَ لَه: قُل القُرآنُ مَخلُوقٌ، يقُولُ: القُرآنُ كَلامُ


الشرح