كَفَى بهِمْ نَقصًا تَناقُضُ قَولِهِم *** وكُلٌّ يَقولُ
الحقَّ عِنْدِي فقَلِّدِ
****
كَانَ صَاحِبُه مِن
كِبَارِ الأئمَّةِ، والشَّافِعيُّ من كبَارِ الأئِمَّةِ يقُولُ: إذَا خَالفَ
قَولِي قَولَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاضْربُوا بقَولِي عُرْضَ
الحَائِطِ.
الدِّينُ لَيْسَ
بالرَّأيِ، وإنَّمَا هُو بالدَّلِيلِ، ولهَذَا يَقولُ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليُّ
بنُ أبِي طَالبٍ رضي الله عنه: «لَوْ كَانَ الدِّينُ بالرَّأْي لكَانَ أسْفلُ
الخُفِّ أوْلَى بالمَسحِ مِن أعْلاَهُ، وقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يَمسَحُ أعْلَى الخُفِّ» ([1]) وقَالَ عُمَرُ بنُ
الخَطَّابِ رضي الله عنه: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، اتَّهمُوا الرَّأيَ في
الدِّينِ، فلَوْ رَأيتُنِي يَومَ أبِي جَنْدَلٍ ولَو أسْتَطِيعُ أنْ أرُدَّ أمْرَ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأجْتَهِدُ ولاَ آلُوا» ([2])، ثمَّ تَبيَّنَ لَه
رضي الله عنه أنَّ مَا فَعلَه الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم هُو عَينُ الصَّوَابِ
وعَينُ المَصلَحةِ، وأنَّ مَا رَآهُ خَطَأ، واعْترَفَ رضي الله عنه بذَلِك،
وقَالَ: اتَّهمُوا الرَّأيَ في الدِّينِ، الدِّينُ لَيسَ بالرَّأْي؛ ولَيسَ مَعنَى
هذَا أنَّ الإنْسَانَ لا يَجتَهِد، بلْ يَجتَهِد ويَطلُبُ الحقَّ، ولَكِن لا
يُؤخَذُ من اجْتهَادِ المُجتَهِد إلاَّ مَا وَافَقَ الدَّلِيلَ، وكذَلِكَ من بابِ
أَولَى لا يَعتَمِد علَى عِلْم الكَلاَمِ الَّذِي هُو الجَدلُ والمَنْطِقُ، فإِنَّ
هذَا لا أصْلَ لَه في الإسْلاَمِ، وإنَّمَا هو عِلْم يُونَانِي جاء من اليُونَانِ،
وهُو مورُوثٌ عن الفَلاسِفَة، ولَيسَ لَه أصْلٌ في دِينِ اللهِ عز وجل، وإنَّمَا
الدِّينُ هُو اتِّباعُ الوَحْي المُنزَّلِ، لا اتِّباعُ الآرَاءِ والجَدَلِ ومَا
أشْبَه ذَلِكَ.
مِمَّا يدلُّ على بُطلاَنِ الآرَاءِ، والجَدَلِ اختِلاَف أصْحَابِها، فلَو كَانَت حقًّا لَم يخْتلِفُوا؛ فإنَّ الحقَّ لا يُختَلفُ عَلَيْه، فاخْتِلاَفهُم دَليلٌ على