×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

ولاَ تُذْهِبنَّ العُمْرَ مِنْكَ سَبَهْلَلاَ *** ولاَ تَغبنَنَّ في النِّعْمَتَيْنِ بَلِ اجْهَدِ

****

 وإنْ أخْطَأْتَ الحقَّ فلَكَ أجرٌ واحدٌ، وخَطؤُك مغفُورٌ كمَا صحَّ في الحَدِيثِ.

وقَولُه: «وكُنْ في العِلمِ طَلاَّعَ أنْجدِ» الأنْجُدُ جَمعُ نَجْدٍ وهُو المُرتَفِعُ، ومَعلُومٌ أنَّ صُعُودَ المُرتفَعَاتِ صَعبٌ، والعِلمُ لا يَحصُلُ إلاَّ بصُعُودِ المشَاقِّ، مَا يحصُلُ بسُهُولَةٍ، كمَا يَظنُّ بعضُ النَّاسِ، لا يتَحصَّلُ العِلْم بمُطَالَعَةِ الكُتُبِ وسَمَاعِ الأشْرِطَةِ فقَطْ، العِلمُ لاَ يَحصلُ إلاَّ بصَبْرٍ وتَعَبٍ، وبَحثٍ شَاقٍّ؛ لأنَّ العِلمَ فنُونٌ، عِلمُ الأصُولِ، عِلمُ النَّحْو، عِلْمُ البَلاَغَةِ، عِلْمُ الفَرَائِضِ، عِلْمُ الفِقْهِ، وتَاجُ ذَلِكَ ورَأسُه عِلْم العَقِيدَةِ، هَذِه العُلُومُ لا تُؤخَذُ عَفوًا بسُهُولَةٍ، فِيهَا صُعُوبَات، فِيهَا قَوَاعِد تَحْتاجُ إلى تَحْلِيل، فِيهَا عِبارَاتٌ غَامِضَةٌ تَحتَاجُ إلى شَرْحٍ، مَقَاصِدُ العُلمَاءِ تَحتَاجُ إلى بَيانٍ، هذَا يَحتَاجُ إلَى صَبْرٍ فطَلَبُ العِلْمِ لَيْسَ بسَهْلٍ، بلْ يَحتَاجُ إلى صَبْرٍ ويَحْتَاجُ إلَى طُولِ زَمَانٍ، يَحتَاجُ إلَى اخْتِبَارِ العَالِم المُحقِّقِ، الَّذِي يَضعُ يَديْكَ علَى الصَّوابِ، وعلَى المَعنَى الصَّحيحِ، فالعِلمُ يُؤخَذُ بالتَّلقِّي لاَ يُؤخَذُ من القِرَاءَةِ والمُطَالَعَةِ، القِراءَةُ والمُطالعَةُ مُساعِدةٌ فَقَطْ، وأمَّا العِلمُ فيُؤخَذُ عَن العُلمَاءِ مهْمَا قَالَ هؤُلاَءِ المُتعالُونَ الَّذينَ زَهدُوا في طَلَبِ العِلمِ وتَكلَّمُوا في العُلمَاءِ وأخَذُوا العِلمَ عن الكُتبِ، مَاذَا حَصلُوا عَلَيْه الآنَ، حَصلُوا علَى التَّناقُضِ والتَّنابُذِ والتَّضلِيلِ فِيمَا بَينَهم؛ نَتيجَةَ الجَهْلِ والتَّعالُمِ.

نِعْمَةُ العِلْمِ، ونِعْمَةُ العُمُرِ، لاَ تَضِيعُ مِنْكَ النِّعمَتَانِ، يَضِيعُ عُمرُكَ بِلاَ فَائِدَةٍ فلاَ تَستَفِيدُ، والسَّبهْللُ مَعنَاهُ الضَّياعُ وعَدمُ الفَائدَةِ.


الشرح