×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وفِي خَلوَةِ الإنْسَانِ بالعِلْمِ أنْسُهُ *** ويَسلَمُ دِينُ المَرْءِ عِنْدَ التَّوحُّدِ

ويَسلَمُ مِن قَالَ وقِيلَ مِنْ أذَى *** جَلِيسٍ ومِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وحُسَّدِ

فَكُنْ حِلسَ بَيتٍ فهْوَ سِتْرٌ لعَوْرَةٍ *** وحِرْزُ الفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ ومُفْسِدِ

****

ومَن طَلَب العُلاَ مِن غَيْر كَدٍّ *** فقَدْ أَضَاعَ العُمرَ في طَلَبِ المُحالِ

ويقُولُ الآخَرُ:

ولاَ تَحسِبنَّ المَجْدَ تَمرًا أنْتَ آكِلُه *** لَن تَبلُغَ المَجْدَ حتَّى تَلعقَ الصَّبْرَا.

الصَّبْرُ شيءٌ مُرٌّ.

الَّذِي يَجلِسُ يذَاكِرُ العِلمَ يِأنَسُ باللهِ عز وجل، ويَسلَمُ لَه دِينُه، ويَسلَمُ مِن مُخَالَطَةِ النَّاس ومُجَالَسَةِ النَّاسِ الَّذِين يُضيِّعُونَ عَلَيْه الوَقْتَ، أمَّا جُلسَاءُ الخَيْر فسَيَأتِي الحَثُّ علَى مُلاَزَمَتِهم. لكِنْ أَغلَبُ النَّاسِ مُلازَمتُهُم لا تَسْتفِيدُ مِنْهَا، والغَالِبُ أنَّك لا تَسْلمُ مِن شَرِّهِمْ.

الَّذِي يَعتزِلُ النَّاسَ يَسلَمُ مِن القِيلِ والقَالِ، ويَسلَمُ مِن الوَاشِي وهُو النَّمَّامُ، ويَسلَمُ مِن الحَسَدِ، أغْلَبُ النَّاسِ كَذَا، إلاَّ خَواصَّ النَّاسِ الَّذِين مِنهُم فَائِدَة هَؤُلاء سيَأتِي الحَثُّ علَى مُجالَسَتِهم لَكِن هُو يتكَلَّم عَن عَامَّة النَّاسِ وهذَا هُو الوَاقِعُ.

كُنْ حِلسَ بَيتِكَ، أيِ الْزَمْ بَيتَكَ، والحِلسُ هُو الغِطاءُ المُثبَّتُ دَائمًا علَى ظَهْر الدَّابَّةِ، ويُشَبَّهُ المُلازِم للشَّيءِ بِالحِلْسِ، وهذَا كَمَا سَبَقَ في العُزلَة والاخْتلاَطِ بحَسْب الفَائِدَة، فإنْ كَانَ الاخْتلاَط فِيه خَيرٌ لَكَ وللنَّاسِ فاخْتلِطْ بهِم، وإنْ كانَ فِيه شرٌّ فالْزَمْ بيتَكَ؛ ولهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لِيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» ([1]).


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2406)، وأحمد رقم (17334)، والطبراني في «الكبير» رقم (8536).