×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وخَيْرُ جَلِيسِ المَرْءِ كُتبٌ تُفيدُهُ *** عُلومًا وآدَابًا كعَقْل مُؤيَّدِ

وخَالِطْ إذَا خَالَطْتَ كلَّ مُوفَّقٍ *** مِنَ العُلمَا أَهْلِ التُّقَى والتَّسدُّدِ

يُفيدُكَ مِن عِلْمٍ ويَنهَاكَ عَنْ هَوَى *** فصَاحِبْهُ تُهدَ مِن هُدَاهُ وتُرْشَدِ

وَإيَّاكَ والهَمَّازَ إنْ قُمتَ عَنْه والـ *** ـبذيءَ فَإِنَّ المَرْء بالمَرْء يَقتَدِي

****

إذَا خَلَوْتَ خَلِّ جَلِيسَكَ الكِتَاب المُفِيد، «وخَيْرُ جَلِيسِ المَرْءِ كُتبٌ تُفيدُه» والمُتنَبِّي يَقولُ:

أَعزُّ مَكانٍ فِي الدُّنا سرْج سَابِح *** وخَيْر جَلِيسٍ في الزَّمَانِ كِتَابُ

اخْتَرِ الكِتَابَ المُفِيدَ الَّذِي تَقضِي بِه وَقْتَك، وتَسْتَفِيدُ مِنْه.

هَذَا النَّوعُ الثَّانِي من الخُلْطَةِ، وهِيَ الخُلطَةُ الَّتِي فِيهَا فَائِدَة طَيِّبة، كَأنْ تُخَالِطَ الأخْيَارَ، تُجَالِس الأخْيَارَ والعُلمَاء والعُقلاَء وتَستَفِيدُ مِنهُم، هذَا شَيءٌ طَيِّبٌ.

إذَا أرَدْتَ أنْ تُصاحِبَ النَّاس - والإنْسَان لا يَستَغْنِي عَن النَّاسِ، لاَ يَستَغْنِي عَن الصَّاحِب - فاخْتَر الجَلِيسَ الصَّالِح مِن العُلمَاءِ والعُقلاَءِ، وأصْحَابِ الرَّزَانَةِ، تَستَفِيدُ مِن عُلومِهْم ومِن عُقُولِهِم ومِن تَجَارِبِهم. اللهُ جل وعلا يَقُولُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ [التوبة: 119] فكُنْ مَع الصَّادِقِينَ ولاَ تَكُن مَع الكَاذِبينَ.

اللهُ جل وعلا يَقولُ: ﴿وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1] ويَقولُ سُبحَانَه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ ٢٩ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمۡ يَتَغَامَزُونَ [المطففين: 29- 30] فالهَمَّازُ هُو كَثِير الهَمْز سُخْرِية، إذَا غِبْتَ عَنْه فَإِنَّه يَنهَشُ في عِرْضِكَ، وإذَا رَآكَ يَغمطُك بيَدِه وإشَارَتِه وطَرْفِه اسْتِهْزاءً؛ هَذَا ابْتَعِدْ عَنْه، «والبَذِيءُ» هُو الَّذِي يُؤذِي بِلسَانِهِ؛ لأنَّ القَرِينَ يَقتَدِي


الشرح