×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

وحَصِّنْ عَن الفَحْشَا الجَوَارحَ كُلَّهَا *** تَكنْ لَكَ في يَوْم الجَزَا خَيرَ شهد

****

 فاللِّسانُ إمَّا أنَّه يَجْنِي عَليْكَ، وإمَّا أنَّه يَكتَسِبُ لكَ، إنِ اسْتعْمَلتَهُ بالنُّطْقِ الطَّيِّبِ والتَّسْبِيحِ والتَّهْلِيلِ، والتَّكْبِيرِ غَرَسَ لَكَ أشْجَارًا في الجنَّة وأنْتَ جَالسٌ أو مَاشٍ أو رَاكبٌ أو مُضطجِعٌ، وإن اسْتعْمَلْتَه في السَّبِّ والشَّتم والغِيبَة والنَّمِيمَة أوْرَدَكَ النَّارَ؛ لأنَّه سُئلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا أكْثَرُ مَا يُورِدُ النَّاسَ النَّارَ؟ قَالَ: «حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»، وقَالَ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ([1]).

الجَوَارِحُ أعضَاؤُك، إمَّا أنْ تشْهدَ لكَ يَومَ القِيامَةِ بالخَيرِ، وإمَّا أنْ تشْهدَ علَيْكَ بالشَّرِّ. ﴿ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ [يس: 65] ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ [فصلت: 20] يَعْنِي إلَى النَّارِ، ﴿ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ [فصلت: 28] ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٠ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢١ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ [فصلت: 20- 22] الإنْسَانُ يَظنُّ أنَّه لَو خَلاَ في غُرفَةٍ ولا يَراهُ أحدٌ فإنَّه يَعمَلُ مَا يَشاءُ، ولاَ يَدرِي أنَّ أعضَاءَه تَشهَدُ عَلَيْه يَومَ القِيامَةِ، هذَا شَيءٌ خَطيرٌ جدًّا، واللهُ علَى كلِّ شَيءٍ قَديرٌ يُنطِقُ الجَوارِحَ، الَّذِي أنْطَقَ الفَمَ يُنطِقُ الجَوارِحَ. تَقولُ الأعْضَاءُ يَومَ القِيامَةَ: ﴿أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ [فصلت: 21] يُنطِقُ الجَوارِحَ


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2616)، وابن ماجه رقم (3973)، وأحمد رقم (22016).