×
إتْحَاف الطُّلابِ بِشرحِ مَنظُومةِ الآداب

ولاَ تَسأمَنَّ العِلْم واسْهَرْ لنَيْلِه *** بلاَ ضَجَرٍ تُحمَد سَرَى السيرِ فِي غَدِ

وكُنْ صَابرًا للفَقْر وادْرَع الرِّضَا *** بمَا قَدَّرَ الرَّحمَنُ واشْكُرهُ واحْمَدِ

****

لأنَّ العِلمَ هُو الحَياةُ، فلاَ تَسأَمْ من طَلَبِ العِلْم، ولاَ تَقلْ إنِّي حصَّلتُ الَّذي يَكفِينِي، العِلمُ لا يُشْبَعُ مِنْه ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمٞ [يوسف: 76] وكلَّ مَا ازْدَدْتَ من العِلمِ زَادَ خَوفُك مِنَ اللهِ عز وجل، ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ [فاطر: 28] ولهَذَا يقُولُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: طَالِبُ الدُّنْيَا، وَطَالِبُ العِلْمِ» ([1]) لاَ تَقلْ أنَا أخَذْتُ الشَّهادَة العَالِيَة دُكتورَاه، ولَستُ بحَاجَةٍ إلى التَّزوُّدِ منَ العِلْم، مِثل مَا يَقولُ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَوْم، كنَّا نَعرِفُ مشَايِخَنا الَّذِينَ أدْركْنَا لا يَسأمُونَ مِن طَلَبِ العِلمِ لَيلاً ونَهارًا، وكُلَّ يَومٍ يزْدَادُونَ عِلمًا حتَّى أصْبحُوا مِن أكَابِر العُلمَاءِ، بالمُذَاكَرةِ والدُّروسِ والمُجالَسَةِ صَارُوا من أكَابِر العُلمَاء، أمَّا الَّذي يَنطَوِي ويَتركُ التَّزوُّد من العِلمِ يذْهَبُ ما فقِهَه، العِلمُ إذَا أدْبرْتَ عَنْه ذَهَبَ، إذَا تَركْتَه تَركَكَ، العِلمُ إنَّما يزْكُو بالمُذاكَرَةِ والطَّلبِ، أمَّا إذَا أقْفلْتَ وقُلتَ يَكفِينِي مَا مَعِي فسَيذهَبُ العِلمُ الَّذِي مَعكَ، كَم عَرفْنَا مِن نَاسٍ عُلمَاء أصْبَحُوا يَسألُونَ عَن مَسائِلَ لاَ يَسألُ عَنْها العَوامُّ؛ لأنَّه ضَاعَ عِلمُهُم بالغَفْلَةِ، إذَا سَهرْتَ في طَلِبِ العِلمِ فإنَّكَ تَحمدُ السَّهرَ إذَا أصْبَحْتَ.

اللهُ خَلقَ النَّاسَ أغْنِياءَ وفُقرَاءَ، فعَلَيْكَ أنْ تَرضَى بمَا قَسمَ اللهُ، ولَيسَ مَعنَى هَذا أنَّكَ تَقعُدُ عَن طَلَب الرِّزقِ، اطْلُب الرِّزقَ لَكِن


الشرح

([1])أخرجه: الدارمي رقم (231)، والحاكم رقم (312)، والطبراني في «الكبير» رقم (10388).