بل قالوا: له أن
يطلب إذا رأى أَنَّ القَضَاءَ ليس فيه أَحَدٌ وأنَّه سَيَضِيعُ وهو عنده
كِفَايَةٌ، يجب عليه أنَّه يتقدَّم ويطلب أن يعيَّن كما قال يوسف عليه السلام: ﴿ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ
خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ﴾ [يوسف: 55] فإذا لم
يَكُنْ في القضاء من يكفي، فإنَّه يتعيَّن على من فيه صَلاحِيَةٌ أن يَقْبَلَ إذا
عُيِّنَ، وإذا لم يعيَّن، يتقدَّم هو، وَيَطْلُبُ؛ لأجل إنقاذ القضاء من الضَّياع.
الفرق بين القضاء
والإفتاء: أنَّ القضاء هو الإخبار بالحكم الشَّرعيِّ مع الإلزام به، أمَّا الإفتاء
فهو بيان الحكم الشَّرْعِيِّ بدون إِلْزَامٍ.
والإفتاء مثل ما
قلنا في القضاء ما دام فيه من يكفي فإنَّه يَسْقُطُ الإثم عن الباقين، ويُكْتَفَى
بمن وُكِّلَ إليه الفتوى.
أمَّا إذا لم يوجد
مَنْ يصلح للفتوى فإنَّه يتعيَّن على من فيه الكفاية أن يتولَّى هذا الأمر؛ لئلاَّ
يضيع النَّاسُ، وتضيع الأحكام.
كذلك تدريس العلم،
تعليم الكِتَابِ والسُّنَّة والفقه والنَّحو والعربيَّة وما يحتاجه النَّاس، لا
بدَّ منه، فإذا قام به من يكفي ووُجِدَ مدرِّسون يقومون بالتَّعليم على الوجه
المطلوب، سقط الإثم عن الباقين.
أمَّا إذا لم يَقُمْ
به أَحَدٌ، فإنَّ الجَمِيعَ يأثمون؛ لأنَّ العِلْمَ لا يبقى إلاَّ بالتَّعليم، بل
الدِّينُ كلُّه لا يبقى إلاَّ بالتَّعليم؛ لو فُقِدَ التَّعليم، ضاع الدِّينُ،
وانتشرت البِدَعُ والخُرَافَاتُ والشِّرْكِيَّاتُ؛ فلا يبقى الدِّينُ الصَّحِيحُ
إلاَّ بالتَّعليم وَنَشْرِ العلم.
كذلك ممَّا يحتاجه النَّاس من عِلْمٍ الحساب الَّذي به يعرفون مقادير