يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَبِّرهُ وَاحدٌ، لاَ
مُنَازِعَ لَهُ، وَأَنَّ مَالِكَهُ وَاحدٌ، لاَ شَرِيكَ لَهُ.
·
تَسْخِيرُ
المَخْلُوقَاتِ لأَِدَاءِ وَظَائِفِهَا، وَالقِيَامِ بِخَصَائِصِهَا:
فَلَيْسَ هُنَاكَ مَخْلُوقٌ يَسْتَعْصِي وَيَمْتَنِعُ
عَنْ أَدَاءِ مُهِمَّتِهِ فِي هَذَا الكَوْنِ، وَهَذَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مُوسَى
عَلَيْهِ السَلاَمُ، حِينَ سَأَلَهُ فِرْعَوْن: ﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ﴾ [طه: 49]، أَجَابَ مُوسَى بِجَوَابٍ شَافٍ كَافٍ؛
فَقَالَ: ﴿رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ
ثُمَّ هَدَىٰ﴾ [طه: 50]؛ أَيْ: رَبُّنَا
الَّذِي خَلَقَ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ، وَأَعْطَى كُلّ مَخْلُوقِ خَلْقه
اللاَّئِق بِهِ؛ مِنْ كِبَرِ الجِسْمِ، وَصِغَره، وَتَوَسُّطه، وَجَمِيع
صِفَاتِهِ؛ ثُمَّ هُدَى كُلّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا خَلَقَهُ لَهُ، وَهَذِهِ
الهِدَايَةُ هِيَ هِدَايَةُ الدَّلاَلَةِ وَالإِلْهَامِ، وَهِيَ الهِدَايَةُ
الكَامِلَةُ المُشَاهدَةُ فِي جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ؛ فَكُلُّ مَخْلُوقٍ تَجِدُهُ
يَسْعَى لمَا خلقَ لَهُ مِن المَنَافِعِ، وَفِي دَفْعِ المضارّ عَنْه، حَتَّى
إِنَّ اللهَ أَعْطَى الحَيَوَانَ البهيم مِن الإِدْرَاكِ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ
مِنْ فعل مَا يَنْفَعُهُ، وَدَفع مَا يضرُّهُ، وَمَا بِهِ يُؤَدِّي مُهِمَّتَهُ
فِي الحَيَاةِ؛ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ﴾ [السَّجدَة: 7].
فَالَّذِي خَلَقَ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ، وَأَعْطَاهَا خَلْقَهَا الحَسَن -الَّذِي لاَ تَقْتَرِحُ العُقُول فَوْقَ حُسنِهِ- وَهدَاهَا لِمَصَالِحِهَا: هُوَ الرَّبُّ عَلَى الحَقِيقَةِ، فَإِنْكَارُهُ إِنْكَارٌ لأَِعْظَم الأَشْيَاء وجُودًا، وَهُوَ مُكَابَرَة ومجاهرة بِالكذبِ، فَالله أَعْطَى الخَلْقَ كُلّ شَيْءٍ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ هَداهُمْ إِلَى طَرِيقِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ أَعْطَى كُلّ صنف شَكْلَهُ وَصُورَتَهُ المُنَاسِبَة لَهُ، وَأَعْطَى كُلّ ذكرٍ وَأُنْثَى الشَّكْل المُنَاسِب لَهُ مِنْ جِنْسِهِ، فِي المُنَاكَحَةِ وَالأُلْفَةِ وَالاجْتِمَاعِ، وَأَعْطَى كُلَّ عُضْوٍ شَكْله