×
عقيدة التوحيد

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عليه السلام عَشَرَةُ قُرُونٍ؛ كُلُّهُمْ عَلَى الِإسْلاَمِ» ([1]).

قَالَ ابْنُ القَيّمِ: «وَهَذَا القَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ قَطْعا؛ فَإِنَّ قِرَاءَةَ أُبي بْنِ كَعْب -يَعني: فِي آيةِ البَقَرَةِ-: ﴿فاختلفوا فبعث الله النَّبِيّين.

وَيَشْهَدُ لِهَذِهِ القِراءَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱخۡتَلَفُواْۚ [يُونس: 19] ».

يُرِيدُ رحمه الله أَنَّ بَعْثَةَ النَّبِيّينَ سَبَبُهَا اخْتِلاَفُ النَّاسِ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدَّينِ الصَّحِيحِ؛ كَمَا كَانَتِ العَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام؛ حَتَّى جَاءَ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ الخُزَاعِيُّ، فَغَير دِينَ إِبْرَاهِيمَ، وَجَلَبَ الأَصْنَامَ إِلَى أَرْضِ العَرَبِ، وَإِلَى أَرْضِ الحِجَازِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ؛ فَعُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللهِ، وَانْتَشَرَ الشّرْكُ فِي هَذِهِ البِلاَدِ المُقَدَّسَةِ، وَمَا جَاوَرَهَا؛ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدا خَاتَمَ النَّبِيّينَ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَاتّباعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ؛ حَتَّى عَادَتْ عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ، وَمِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَكَسَرَ الأَصْنَامَ، وَأَكْمَلَ اللهُ بِهِ الدّينَ، وَأَتَمَّ بِهِ النّعْمَةَ عَلَى العَالَمِينَ، وَسَارَتْ عَلَى نَهْجِهِ القُرُونُ المُفَضَّلَةُ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ، إِلَى أَنْ فَشَا الجَهْلُ فِي القُرُونِ المُتَأَخّرَةِ، وَدَخَلَهَا الدَّخِيلُ مِنَ الدّيَاناتِ الأُخْرَى؛ فَعَادَ الشّرْكُ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ بِسَبَبِ دُعَاةِ الضَّلاَلَةِ، وَبِسَبَبِ البنَاءِ عَلَى القُبُورِ، مُتَمَثّلاً فِي تَعْظِيمِ الأَوليَاءِ وَالصَّالِحينَ، وَادّعَاءِ المَحَبَّةِ لَهُمْ؛ حَتَّى بُنِيَتِ الأَضْرِحَةُ عَلَى قُبُورهِمْ، وَاتُّخِذَتْ أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، بِأَنْواَعِ القُرُبَاتِ؛ مِنْ دُعَاءٍ، وَاسْتِغَاثَةٍ، وَذَبْحٍ، وَنَذْرٍ لِمَقَامِهِمْ، وَسَمَّوْا هَذَا الشّرْكَ: تَوَسّلاً بِالصَّالِحينَ، وَإِظْهَارا لِمَحَبَّتِهِمْ،


الشرح

([1])  أخرجه: البزار في «مسنده» رقم (4815)، والحاكم في «المستدرك» رقم (3654).