×
عقيدة التوحيد

فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أَنَّ الحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ كُفْرٌ، وَهَذَا الكُفْرُ تَارَةً يَكُونُ كُفْرَاً أَكْبَر؛ يَنْقُلُ عَن الملَّةِ، وَتَارَةً يَكُونُ كُفْرَاً أَصغَر، لا يُخْرِج مِنَ الملةِ، وَذَلِكَ بِحَسْبِ حَالِ الحَاكِمِ؛ فَإِنَّهُ إِن اعْتَقَدَ أَنَّ الحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ غَيْر وَاجِبٍ، وَأَنَهُ مُخَيّرٌ فِيهِ، أَوِ اسْتَهَاَنَ بِحُكْمِ اللهِ، وَاعْتَقَدَ أَنَّ غَيْرهُ مِنَ القَوَانِين وَالنُّظم الوَضْعِيَّةِ أَحْسَنُ مِنْهُ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ، أوْ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لِهَذَا الزَّمَانِ، أَوْ أَرَادَ بِالحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ اسْتِرْضَاءَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ: فَهَذَا كُفْرٌ أَكْبَرُ، وَإِنِ اعَتَقَدَ وُجُوبَ الحُكْم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَعَلِمَهُ فِي هَذِهِ الوَاقِعَةِ، وعَدَلَ عَنْهُ، مَعَ اعْتِرَافِهِ بَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ: فَهَذَا عَاصٍ، وَيُسَمَّى كَافِراً كُفْرَاً أَصْغَرَ، وَإِنْ جَهلَ حُكْمَ اللهِ فِيهَا، مَعَ بَذْلِ جُهْدِهِ، وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ فِي مَعْرِفَةِ الحُكْم، وَأَخْطَأهُ-: فَهَذَا مُخْطئٌ، لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ، وَهَذَا فِي الحكْمِ فِي القَضِيَّةِ الخَاصَّةِ.

وَأَمَّا الحُكْم فِي القَضَايا العَامَّةِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ؛ قَالَ شَيخُ الِإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَة رحمه الله: «فَإِنَّ الحَاكِمَ إِذَا كَانَ ديِّناً؛ لَكِنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ عَالِماً، لَكنَّهُ حَكَمَ بِخِلاَفِ الحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ؛ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإذَا حَكَمَ بِلاَ عَدْلٍ وَلاَ عِلْمٍ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهَذَا إِذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ لِشَخْصٍ.

وَأَمَا إِذَا حَكَمَ حُكمًا عَاماً فِي دِينِ المُسْلِمِينَ؛ فَجَعَلَ الحَقَّ بَاطِلاً، وَالبَاطِلَ حَقاً، وَالسُّنَّة بِدْعَةً، وَالبِدْعَة سُنَّةً، وَالمَعْرُوفَ مُنْكَراً، وَالمُنْكَر مَعْرُوفاً، وَنَهَى عَمَّا أَمَرَ الله بِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَمَرَ بِمَا نَهَى اللهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ: فَهَذَا لَوْنٌ آخَرُ، يَحْكُمُ فِيهِ رَبُّ العالَمِينَ، وَإِلَهُ المُرْسَلِينَ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ؛


الشرح