وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهلِيَّةِ،
وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، إِنمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ،
النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَم خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَلاَ فَضْلَ لعَرَبِيٍّ عَلَى
عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَقوَى» ([1]).
وَهَذِهِ الحِزْبِيَّاتُ تُفَرِّقُ المسلِمِينَ، وَاللهُ
قَدْ أَمَرَ بِالاِجْتِمَاعِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَنَهَى
عَنِ التَّفَرُّقِ وَالاِخْتِلاَفِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا
تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ
فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ [آل عِمرَان: 103].
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَكُونَ
مَعَ حِزْبٍ وَاحِدٍ، هُمْ حِزْبُ اللهِ المُفْلِحُونَ؛ وَلَكِنَّ العَالَمَ
الإِسْلاَمِيَّ أَصْبَحَ -بَعْدَمَا غَزَتْهُ أُورُوبَّا سِيَاسِيًّا،
وَثَقَافِيًّا- يَخْضَعُ لِهَذِهِ العَصَبِيَّاتِ الدَّمَويَّةِ وَالجِنْسِيَّةِ
وَالوَطَنِيَّةِ، وَيُؤْمِنُ بِهَا كَقَضِيَّةٍ عِلْمِيَّةِ وَحَقِيقِيَّةٍ
مُقَرَّرَةٍ، وَوَاقِعٍ لاَ مَفَرَّ مِنْهُ، وَأَصْبَحَتْ شُعُوبُهُ تَنْدَفِعُ
انْدِفَاعاً غَرِيباً إِلَى إِحْيَاءِ هَذِهِ العَصَبِيَّاتِ الَّتِي أَمَاتَهَا
الِإسْلاَم، والتَّغَنِّي بِهَا وَإِحْيَاءِ شَعَائِرهَا، وَالاِفْتِخَارِ
بِعَهْدِهَا الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَى الِإسْلاَمِ، وَهُوَ الَّذِي يُلِحُّ
الِإسْلاَمُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالجَاهلِيَّةِ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى
المُسْلِمينِ بِالخرُوجِ عَنْهَا، وَحَثَّهُمْ عَلَى شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ.
وَالطَّبِيعِيُّ مِن المُؤْمِنِ أَلاَّ يَذْكُرَ جَاهلِيَّةً تَقَادَمَ عَهْدُهَا أَوْ قَارَبَ؛ إِلَّا بِمَقْتٍ وَكَرَاهِيَةٍ وَامْتِعَاضٍ وَاقْشِعْرار، وَهَلْ يَذْكُرُ السَّجِينُ الْمُعَذَّبُ الَّذِي يُطْلَقُ سَرَاحُهُ أيَّام اِعْتِقالِهِ وَتَعْذِيبه وَاِمْتِهانه، إلاّ وَعرَتهُ قُشَعْرِيرَة؟! وَهَلْ يَذْكُرُ الْبَرِيءُ مِنْ عِلَّة شَدِيدَةٍ طَوِيلَةٍ أشْرف مِنْهَا عَلَى الْمَوْتِ أيَّام سُقْمِهِ، إلاّ وَانْكسفَ بالُهُ وانتقع لَوْنهُ؟! وَالْوَاجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أنّ هَذِهِ الْحِزْبِيَّاتِ
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (5116)، والترمذي رقم (3964)، وأحمد رقم (8721).