بَلْ وَرَدَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ
يَكُونَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا فِي
الحَدِيثِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
لَأَنْتَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ صلى
الله عليه وسلم: «لاَ وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الآنَ
يَا عُمَرُ» ([1]).
فَفِي هَذَا أَن مَحَبَّةَ الرَّسُولِ وَاجِبَةٌ وَمُقَدَّمَةٌ
عَلَى مَحَبَّةِ كُلِّ شَيْءٍ سِوَى مَحَبَّةِ اللهِ، فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا
لاَزِمَةٌ لَهَا، لأَِنَّهَا مَحَبَّةٌ فِي اللهِ وَلأَِجْلِهِ، تَزِيدُ
بِزِيَادَةِ مَحَبَّةِ اللهِ فِي قَلْبِ المُؤْمِنِ، وَتَنْقُصُ بِنَقْصِهَا،
وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُحِبًا للهِ، فَإِنَّمَا يُحِبُّ فِي اللهِ وَلأَِجْلِهِ.
وَمَحَبَّتُهُ صلى الله عليه وسلم تَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ
وَتَوْقِيرَهُ وَاتِّبَاعَهُ، وَتَقْدِيمَ قَوْلِهِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ أَحَدٍ
مِنَ الخَلْقِ، وَتَعْظِيمَ سُنَّتِهِ.
قَالَ العَلاَّمَةُ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله:
«وَكُلُّ مَحَبَّةٍ وَتَعْظِيمٍ لِلْبَشَرِ، فَإِنَّمَا تَجُوزُ تَبَعًا
لِمَحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظِيمِهِ؛ كَمَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
وَتَعْظِيمِهِ، فَإِنَّهَا مِنْ تَمَامِ مَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ وَتَعْظِيمِهِ،
فَإِنَّ أُمَّتَهُ يُحِبُّونَهُ لِمَحَبَّةِ اللهِ لَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ
وَيُجِلُّونَهُ لِإِجْلاَلِ اللهِ لَهُ، فَهِيَ مَحَبَّةٌ للهِ مِنْ مُوجِبَاتِ
مَحَبَّةِ اللهِ.
وَالمَقْصُودُ: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَلْقَى اللهُ عَلَيْهِ المَهَابَةَ وَالمَحَبَّةَ... وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ بَشَرٌ أَحَبَّ إِلَى بَشَرٍ، وَلاَ أَهْيَبَ وَأَجَلَّ فِي صَدْرِهِ، مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُدُورِ أَصْحَابِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ العَاص رضي الله عنه –بَعْدَ
([1]) أخرجه: البخاري، رقم (6257).