كُلِّهَا بِأَنَّهَا ضَلاَلَة، وَهَذَا يَقُولُ: لَيْسَ
كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةً؛ بَلْ هُنَاكَ بِدْعَة حَسَنَة؛ قَالَ الحَافِظُ
ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله -فِي «شَرْحِ الأَرْبَعِينَ»-: «فَقَوْلُهُ صلى الله
عليه وسلم: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة»
مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ؛ لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْء، وَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ
أُصُولِ الدِّينِ، وَهُوَ شَبِيه بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ
مِنْهُ فَهُوَ رَدّ» ([1])،
فَكُلُّ منْ أَحْدَثَ شَيْئًا وَنَسَبَهُ إِلَى الدِّينِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
أَصْل مِنَ الدِّينِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ-: فَهُوَ ضَلاَلَة، وَالدِّينُ بَرِيء
مِنْهُ، سَوَاء فِي ذَلِكَ مَسَائِلُ الاِعْتِقَادَاتِ، أَو الأَعْمَالِ، أَو
الأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ». انْتَهَى.
وَلَيْسَ لِهَؤُلاَءِ حُجَّة عَلَى أَنَّ هُنَاكَ
بِدْعَةً حَسَنَةً، إِلاَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه، فِي صَلاَةِ
التَّرَاوِيحِ: «نِعْمَتِ البِدْعَةُ
هَذِهِ» ([2]).
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ
أُحْدِثَتْ أَشْيَاءُ لَمْ يَسْتَنْكِرْهَا السَّلَف؛ مِثْلُ جَمْعِ القُرْآنِ فِي
كِتَابٍ وَاحِدٍ، وَكِتَابَةِ الحَدِيثِ وَتَدْوِينِهِ.
وَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لَهَا أَصْل فِي الشَّرْعِ، فَلَيْسَتْ مُحْدَثَةً، وَقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه: «نِعْمَتِ البِدْعَةُ»؛ يُرِيدُ: البِدْعَةَ اللُّغَوِيَّةَ، لاَ الشَّرْعِيَّةَ، فَمَا كَانَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْعِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ بِدْعَة فَهُوَ بِدْعَة لُغَةً لاَ شَرْعًا؛ لأَِنَّ البِدْعَةَ شَرْعًا: مَا لَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْعِ، وَجَمْعُ القُرْآنِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْعِ؛ لأَِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِكِتَابَةِ القُرْآنِ، لَكِنْ كَانَ مَكْتُوبًا مُتَفَرِّقًا، فَجَمَعَهُ الصَّحَابَة رضي الله عنهم فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ؛ حِفْظًا لَهُ.
([1]) أخرجه: البخاري، رقم (2550)، ومسلم، رقم (1718).