فَأَمَّا العُصُورُ الثَّلاَثَةُ المُفَضَّلَةُ، فَلَمْ
يَكُنْ فِيهَا بِالمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِدْعَة ظَاهِرَة البَتَّةَ،وَلاَ
خَرَجَ مِنْهَا بِدْعَة فِي أُصُولِ الدِّينِ البَتَّةَ، كَمَا خَرَجَ مِنْ
سَائِرِ الأَمْصَارِ.
·
الأَسْبَابُ
الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ظُهُورِ البِدَعِ:
مِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّ الاِعْتِصَامَ بِالكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ فِيهِ مَنْجاة مِنَ الوُقُوعِ فِي البِدَعِ وَالضَّلاَلِ؛ قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ
وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ﴾ [الأنعَام: 153].
وَقَدْ وَضَّحَ ذَلِكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُول اللهِ
صلى الله عليه وسلم خَطًّا، فَقَالَ: «هَذَا
سَبِيلُ اللهِ»، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ،
ثُمَّ قَالَ: «وَهَذِهِ سُبُل، عَلَى
كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَان يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ تَلاَ: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ
وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ
وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾
[الأنعَام: 153] ([1])؛
فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ تَنَازَعَتْهُ الطُّرُقُ
المُضَلِّلَةُ، وَالبِدَعُ المُحْدَثَةُ.
فَالأَسْبَابُ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ظُهُورِ البِدَعِ
تَتَلَخَّصُ فِي الأُمُورِ التَّالِيَةِ: الجَهْل
بِأَحْكَامِ الدّينِ، وَاتِّبَاع الهوَى، وَالتَّعَصُّب لِلآرَاءِ وَالأَشْخَاصِ،
وَالتَّشَبُّه بِالكُفَّارِ وَتَقْلِيدهمْ، وَنَتَنَاوَلُ هَذِهِ الأَسْباب
بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ:
·
الجَهْلُ
بِأَحْكَامِ الدِّينِ:
كُلَّما امْتَدَّ الزَّمَنُ وَبَعُدَ النَّاسُ عَنْ آثَارِ الرِّسَالَةِ، قَلَّ العِلْمُ وَفَشَا
([1]) أخرجه: أحمد رقم (4225)، والنسائي، رقم (11175)، والحاكم، رقم (2938).