فَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ البَرَكَةَ وَيُثَبِّتُهَا،
أَمَّا المَخْلُوقُ فَإِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْحِ البَرَكَةِ
وَإِيجَادِهَا، وَلاَ عَلَى إِبْقَائِهَا وَتَثْبِيتِهَا، فَالتَّبَرُّكُ
بِالأَمَاكِنِ وَالآثَارِ وَالأَشْخَاصِ -أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا- لاَ يَجُوزُ؛
لأَِنَّهُ: إِمَّا شِرْك إِنِ اعْتُقِدَ أَنَّ ذَلِكَ الشَيْء يمْنَحُ
البَرَكَةَ، أَوْ وَسِيلَة إِلَى الشِّرْكِ إِنِ اعْتُقِدَ أَنَّ
زِيَارتَهُ وَمُلاَمَسَتَهُ وَالتَّمَسُّحَ بِهِ: سَبَب لِحُصُولِهَا مِنَ اللهِ.
وَأَمَّا مَا كَانَ الصَّحَابَة يَفْعَلُونَهُ - مِنَ
التَّبَرُّكِ بِشَعْرِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَرِيقِهِ، وَمَا انْفَصَلَ
مِنْ جِسْمِهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً كَمَا تَقَدَّمَ - فَذَلِكَ خَاصّ بِهِ
صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَكُنِ الصَّحَابَة يَتَبَرَّكُونَ بِحُجْرَتِهِ
وَقَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلاَ كانُوا يَقْصِدُونَ الأَمَاكِنَ الَّتِي صَلَّى
فِيهَا أَوْ جَلَسَ فِيهَا؛ لِيَتَبَرَّكُوا بِهَا، وَكَذَلِكَ مَقَامَاتُ
الأَوليَاءِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَمْ يَكُونُوا يَتَبَرَّكُونَ بِالأَشْخَاصِ
الصَّالِحينَ؛ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَة
رضي الله عنهم، لاَ فِي الحَيَاةِ وَلاَ بَعْدَ المَوْتِ، وَلَمْ يَكُونوا
يَذْهَبُونَ إِلَى غَارِ حِرَاءٍ؛ لِيُصَلُّوا فِيهِ أَوْ يَدْعُوا، وَلَمْ
يَكُونُوا يَذْهَبُونَ إِلَى الطُّورِ الَّذِي كَلَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مُوسَى؛
لِيُصَلُّوا فِيهِ وَيَدْعُوا، أَوْ إِلَى غَيْرِ هَذِهِ الأَمْكِنَةِ مِنَ الجِبَالِ
الَّتِي يُقَالُ: إِنَّ فِيهَا مَقَامَاتِ الأَنْبِيَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَلاَ
إِلَى مَشْهَدٍ مَبْنِيّ عَلَى أَثَرِ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ المَكَانَ الَّذِي كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهِ بِالمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ دَائِمًا، لَمْ يَكُنْ أَحَد مِنَ السَّلَفِ يَسْتَلِمُهُ وَلاَ يُقَبِّلُهُ، وَلاَ المَوْضِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا كَانَ المَوْضِعُ الَّذِي كَانَ يَطَؤُهُ صلى الله عليه وسلم بِقَدَمَيْهِ الكَرِيمَتَيْنِ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، لَمْ يُشْرَعْ لأُِمَّتِهِ التَّمَسُّحُ بِهِ وَلاَ تَقَبِيلُهُ، فَكَيْفَ بِمَا يُقَالُ: إِنَّ غَيْرهُ صَلَّى فِيهِ أَوْ نَامَ عَلَيْهِ؟! فَتَقْبِيلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّمَسُّحُ بِهِ، قَدْ عَلِمَ العُلَمَاءُ بِالاِضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ شَرِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم.