أما أنتم، فالله جل وعلا
يقسم بينكم معيشتكم، وليس أحد يستطيع أن يأخذ بيده المال أو الكسب، إنما الله هو
الذي يعطيه، ﴿نَحۡنُ
قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا
بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ﴾ [الزخرف: 32]، هذا غني،
وهذا فقير، لماذا إذا كان الاختيار لكم أن تكونوا كلكم أغنياء، لماذا بعضكم غني،
وبعضكم فقير؟ هذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتصرف.
فإذا كنتم لا
تختارون لأنفسكم، فكيف تقترحون في الرسالة بزعمكم؟! ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ﴾ [الزخرف: 32]، ﴿سُخۡرِيّٗاۗ﴾، ليست «سِخريًا»،
سِخري بكسر السين: من السخرية والاستهزاء، هذا لا يجوز، أما ﴿سُخۡرِيّٗاۗ﴾ بالضم، فهو المسخر
بالعمل، فالغني يستأجر الفقير للعمل، فالغني يدفع الأجرة، والفقير يعمل، ويأخذ
الأجرة، فالغني يحصل على المنفعة، والفقير يحصل على الأجرة، ويقتات بها؛ حكمة من
الله سبحانه وتعالى، ولو أغنى الناس جميعًا، ما اشتغل أحد، ولتعطلت الأعمال، ولا
أحد يقوم بها، ولو كان الناس كلهم فقراء، لتعطلت الأعمال؛ لأنه ليس بأيديهم شيء
يستأجرون، فالله جل وعلا بحكمته جعل الناس طبقات أغنياء وفقراء.
فالأغنياء يبذلون من المال ما ينتفع به الناس -الأجرة-، والفقراء يبذلون من الكد والكدح ما يحصلون به على المال، الذي يقتاتون به، من رحمته -سبحانه- وحكمته في العالم ألا يجعلهم كلهم أغنياء، ولا يجعلهم كلهم فقراء؛ فتتعطل الأعمال، بل جعل منهم الغني ومنهم