وأما
العشاء الآخرة، فقرأ صلى الله عليه وسلم فيها بـ «التين» ([1])،
ووقت لمعاذ فيها: بـ ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾
[الشمس: 1]، وبـ ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾
[الأعلى: 1] ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ﴾ [الليل: 1]
ونحوها، وأنكر عليه قراءته فيها بـ «البقرة»، وقال له: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا
مُعَاذُ» ([2]).
****
قصة معاذ رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي
صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب فيصلي بقومه، تكون صلاته مع الرسول صلى
الله عليه وسلم فريضة، وصلاته مع قومه نافلة، فدل هذا على جواز صلاة المفترض خلف
المتنفل، لكنه قرأ بهم بسورة البقرة، وكان خلفه رجل جاء ومعه ناضحان -يعني:
بعيرين- للسواني، فأوقفهما، وجاء يصلي مع معاذ رضي الله عنه، فقرأ سورة البقرة،
فلما أطال، الرجل نوى الانفراد، وأكمل صلاته لنفسه، ثم ذهب إلى نواضحه، ذكر ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم، فأقر الرجل على ما فعل، ووبخ معاذًا رضي الله عنه، وقال
له: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ ؟!»، يعني: تشوش على الناس، تكره الناس
في الصلاة بالتطويل.
فهذا فيه دليل على أن الإمام يراعي أحوال المأمومين؛ لأنهم أصحاب أشغال، وفيهم مرضى، وفيهم كبار السن، فيراعي أحوالهم، ثم أرشده إلى السور المتوسطة من المفصل:﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾ [الشّمس: 1]، ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾[الأعلى: 1]، ﴿وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ﴾، هذا في العشاء، فأرشده إلى السور المتوسطة من المفصل، ولهذا قال العلماء: يقرأ في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي
([1])أخرجه: البخاري رقم (767)، ومسلم رقم (464).