التَّعقِـيبُ الثـَّـالـث
****
في صفحة (12) المَقطَع الأوَّل يُعلِّلُ فيه وُجوبَ اتِّباعِ السَّلفِ
بكونِهم أفهم للنُّصوصِ لسَلامةِ لُغتِهم ولمُخالطتِهم لرسولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم.
وهذا فيه نقصٌ كبير؛ لأنَّه أهملَ قضيةَ تَلقِّيهم عن رسولِ الله صلى الله
عليه وسلم، وتعلُّمِهم منه، وسؤالِهم إيَّاه، ومُشاهدتِهم للتنزيلِ على رسولِ
الله، وتلقِّيهم التأويل عنه صلى الله عليه وسلم، وهذه مرتبةٌ من العِلمِ لم يبلُغْها
غيرُهم، وقد أهملَ ذِكرَها وتَناساها تمامًا.
كما أنَّه في آخِر هذه الصَّفحةِ يُقرِّر أنَّ اتِّباعَ السَّلفِ لا يعني
أخذَ أقوالِهم والاسْتِدلال بمواقِفِهم من الوقَائع، وإنَّما يعني الرُّجوعَ إلى
القَواعِدِ التي كانوا يَحتكِمُون إليها.
ومعنى هذا الكلام أنَّ أقوالَ السَّلفِ وأفعالَهم ليستْ حُجَّةً وإنَّما
الحُجَّةُ هي القواعدُ التي كانوا يَسيرون عليها، وهذا كلامٌ فيه تَنَاقُض؛ لأنَّ
معناه أنَّنا نلغِي أقوالَهم ونأخذُ قواعدَها فقط، ونَستنبِط بها من النُّصوصِ
غيرَ استنباطِهم، وهذا إهدارٌ لكلامِ السَّلف، ودعوةٌ لاجتهادٍ جديدٍ وفهمٍ جديدٍ
يُدَّعى فيه أنَّه على قواعدِ السَّلف.
***