التَّعقـيب التـَّـاسع
والعشـرون
****
في صفحة 149 تساءَل عن التَّوسُّل بجاهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
بعد وفاتِه، أو بجاهِ من عُرِفوا بالصَّلاحِ والاستقامةِ بعدَ وفاتِهم، هل هو
بِدعةٌ أو يُقاسُ على التَّوسُّلِ به صلى الله عليه وسلم، حالَ حياتِه وهو شيءٌ
ثابِتٌ دلَّتْ عليه الأحاديثُ الصَّحيحة، ومن ثَمَّ فهو ليس من البِدعةِ في شيء؟
ولم يُجِبْ عن ذلك التَّساؤُلِ بل ترَكَ القارئَ في حِيرةٍ والتِباس.
وأقولُ: أوَّلاً: التَّوسُّلُ بالجاهِ ليس عليه دليلٌ أصلاً لا في حياتِه
ولا بعدَ موتِه، فهو بِدعةٌ بلا شَك.
ثانيًا: أمَّا التَّوسُّلُ بدعائِه صلى الله عليه وسلم، فهو جائزٌ في حياتِه؛
لأنَّه يتمكَّنُ من الدُّعاءِ فيها، أمَّا بعدَ وفاتِه فطَلَبُ الدُّعاءِ منه
بدعةٌ ولا يَجُوز؛ لأنَّه لا يقدِرُ على الدُّعاء؛ ولأنَّ الصَّحابةَ لم يفْعَلوا
هذا معه بعدَ وفاتِه، وإنَّما كانوا يَفعلُونه في حالِ حياتِه ولا تُقاسُ حالةُ
الحَياةِ على حالةِ الموتِ لوُجودِ الفَوَارقِ العظيمةِ بينَهما عندَ جميعِ
العُقَلاء، وإنَّما يَقيسُ هذا القياسَ المُخرِّفون.
وإن كان هو يزعم في صفحة 155 أن هذا التفريق لم يعرف إلا عن ابن تيمية، وأن
السلف لم يفرقوا ولم تفرق الأدلة بينهما، وكأنه لم يقرأ ما ذكره العلماء في هذا
الموضوع. وما ذكَره ابنُ تَيْميةَ في كتابِ «التَّوسُّل
والوسيلة» عن السَّلفِ والأئِمَّةِ في ذلك، أو أن تُحامُلَه عليه أنسَاه ذلك.
ثُمَّ إنَّه نسَبَ إلى السَّلفِ ما لمْ يَقُولوه وحمَّلَ الأدلةَ ما لا
تَتَحَمَّله، ولم يأتِ بدليلٍ واحدٍ على ما قال وأنَّى له ذلك.
الصفحة 1 / 57