التَّعقـيب التـاسع
****
زعَم في صفحة 27- 31 أنَّ الصَّحابةَ لم يكُن بهم حاجةٌ إلى تحكيمِ ميزانٍ
عِلمي في الاستنباط.
وهذا فيه إجمال، فإنْ أرادَ بالميزانِ العلمِي فَهْمَ النُّصوصِ ومعرفةَ
معانيها وما يُرادُ بها، فهم أغزر النَّاس علمًا في ذلك وأقلهم تكلفًا، وإنْ أرادَ
بالميزانِ العلمِي منهجَ الجَدَلِ وعلمَ الكلام، فهذا ميزانٌ جَهْليٌّ لا ميزانٌ
علميٌّ، وهم أغنى النَّاسِ عنه، وقد تركوه وحذَّرُوا منه وضَلَّلوا أصحابَه؛
لأنَّه لا يُوصِل إلى حقيقةٍ ولا يَهدي إلى صَواب، وإنَّما آل بأصحابِه إلى
الشَّك، وإنْ زَعَم من ابتُلِي به أنَّه ميزانٌ عِلمي ووَصَفوا أنفسَهم بأنَّ طريقتَهم
أعلم وأحكم وأن طريقة السَّلف أسلم، ويوصفون بأنَّهم ظَاهريُّون كما وصَفَهم
الدُّكتور بذلك في هذا الكتابِ في صفحة 31 فقال: «ومن ثَمَّ فإنَّ الشَّأنَ فيما ذكَرْناه عنهُم من ابتعادِهم عن ساحةِ
الرَّأي وعدمِ الخوضِ فيما تلَقُّوه من أنباء الغيبِ وغوامض المعاني، ووقوفهم في
ذلك مع ظاهرِ النُّصوصِ دونَ تعطيلٍ ولا تَشْبيه».
فهذا معناه: أنَّ طريقةَ السَّلفِ
طريقة بدائية تقف عند ظاهرِ النُّصوصِ وليستْ طريقةً عِلميةً تنفذ إلى غورِ
النُّصوصِ ومقاصدِها، ومعناه أيضًا: أنَّ للنُّصوصِ باطنًا وظاهرًا يَختلفان كما
يقولُه أهلُ الضَّلال.
***