التعقـيب الثـامن
والعشـرون
****
في صفحةِ 149، قال: «وتَفْريقُ الباحثِ في مسألةِ القرآنِ بينَ ما فيه من
المعاني النَّفسيَّةِ والألفاظِ المنطوقِ بها مع ما يلحَقُ بِها من حِبْرٍ ووَرَقٍ
وغُلاَف، ليقولَ أن الأوَّل -يعني المعاني النَّفسيَّة- قديم غيرُ مخلوق،
والثَّاني حادِثٌ مخلوق، أيُعَدُّ بدعةً مَحظورة؟! لأنَّ هذا التَّفريقَ لم
يُعلَمْ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومِن ثَمَّ يجِبُ إطلاقُ القولِ
بأنََّ القرآنَ قديمٌ غيرُ مخلوقٍ دونَ تفصيلٍ ولا تفريقٍ أم لا يُعَدُّ بِدعة،
وإنَّما هو شرحٌ وبيانٌ لمَا علِمَه الصُّحبةُ من قبلِ على وجهِ الإجمال، ومن
ثَمَّ فلا مانِعَ لا سيَّما في مجالِ التَّعليمِ من هذا التَّفريقِ والتَّفصيل» ا
هـ. وتعقيبًا عليه أقولُ كلامُه هذا يَتمشَّى مع مذهبِ الأشاعرةِ الَّذين
يُفرِّقون في كلامِ اللهِ بينَ المَعنَى واللَّفظ، فيقولون المَعْنَى قائمٌ
بالنَّفس، وهو قديمٌ غيرُ مَخلوق، وهذا هو كلامُ اللهِ عندَهم.
وأمَّا اللَّفظُ فهو عندَهم تعبيرٌ عن هذا المعنى من قِبَلِ جبريلَ أو
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو مخلوق، وهذا تفريقٌ باطِل ([1])، ومذهبُ
أهلِ السُّنَّةِ سَلفًا وخلفًا أنَّ كلامَ اللهِ تعالى هو اللَّفظُ والمعنى
وكِلاهُما غيرُ مخلوقٍ؛ لأنَّه كلامُ اللهِ تَعَالى وصفةٌ من صِفَاتِه غيرُ
مخلوقة، وقولُه: «إنَّ الصَّحابةَ علِمُوا هذا التَّفريقَ بين اللَّفظِ والمَعْنى
في كلامِ الله» هو تَقوُّلٌ على الصَّحابةِ ونسبةُ إليهم ما هُم مِنه بُرآء.
***