التَّعقـيبُ الثَّـالث
والعشرون
****
قولُه في صفحة 114: «ويُقابِلُ التَّعطيلَ التَّجسيمُ أو التَّشبيهُ
وهو أنْ تترُكَ هذه الآياتِ -أي آيات الصفات- على ظاهرِها، ويُفهَم منها المألوفُ
في حياةِ المخلوقين والمُحدثين، فيُفهَم من اليدِ الجارحةُ التي خَلقَها اللهُ فينا،
ويُفهَمُ من الاستواءِ معناه المُتمثِّلُ في جلوسِ أحدِنا على كُرسِيِّه أو
سريرِه، ويُفهَمُ من المَجيءِ الحركةُ التي تَتخَطَّى حيِّزًا إلى غيرِه وهكذا».
ا هـ.
· والجوابُ عن ذلك أنْ نقول:
أولاً: لا بُدَّ من تَرْكِ الآياتِ على ظاهرِها، فإنَّه حقُّ مرادِ الله
سبحانه، وكونُ بعضِ النَّاسِ يَفهَمُ منها فهمًا سيِّئًا آفتَه من فَهْمِه الخاطئِ
وليس ما فهِمَه هو ظاهرُ الآيات:
وكم من عائبٍ
قولاً صحيحًا |
|
وآفتُه من
الفَهمِ السَّقِيم |
ثانيًا: الآياتُ تدُلُّ على صفاتٍ حقيقيةٍ لله، فله يدٌ حقيقيةٌ تليقُ به،
ولا تُشبِهُ يدَ المخلوق، والاستواءُ له معنى حقيقي فسَّرَه به السَّلفُ وأئمةُ
السُّنَّة واللُّغة، وهو العُلُو والارتفاعُ والاستقرارُ والصُّعود، وكلُّ هذه
المعاني على ما يليقُ بالله، لا كعُلُوِّ المخلوقِ وارتفاعِه، واستقْرارِه
وصُعُودِه، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، وكذلك المَجيءُ هو مجيءٌ حقيقيٌّ
على معناه في اللُّغة العربية، وكذا الإتيانُ كما جاء في الآياتِ الأخرى، ولا
يَلزَمُ منه مُشَابهةُ مجيءِ المخلوقِ وإتيانه، والجارحةُ والحيِّزُ ألفاظٌ
مُجملَةٌ لم يرِدْ نفيُها ولا إثباتُها في حقِّ اللهِ تعالى.
***