×
تَعْقيباتٌ على كتابِ السَّلَفيَّة ليسَتْ مَذْهبًا

 هناك ما يُوجِبُ حملَها على المجاز، وكتَبْريرٍ منه لهذا الباطلِ الذي ذكَرَه نَسَبَ إلى بعضِ السَّلفِ تأويل بعضِ الصِّفات، فنَسَب إلى الإمامِ أحمدَ تأويلَ {وَجَآءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]، بمعنى جاءَ أمرُ ربِّك، ونَسَب إلى الإمامِ البُخاري تأويلَ الضَّحِك بالرَّحمة، ونسَبَ إلى الإمامِ حمَّاد بنِ زيدٍ تأويلَ نزولِ اللهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا بإقبالِه جَلَّ جلالُه إلى عبادِه:

والجوابُ أن نقول:

أولاً: ما نسَبَه إلى الإمامِ أحمدَ لم يَثبُتْ عنه، ولم يُوثِّقْه من كتبِه أو كتبِ أصحابِه، وذِكْرُ البَيْهَقِي لذلك لا يُعْتَمد؛ لأنَّ البَيْهَقي رحمه الله عندَه شيءٌ من تأويلِ الصِّفاتِ فلا يُوثَقُ بنقلِه في هذا الباب؛ لأنَّه رُبَّما يتَساهَلُ في النَّقل.

والثَّابتُ المُتيَقَّن عن الإمامِ أحمدَ إثباتُ الصِّفاتِ على حقيقتِها وعدم تأويلِها فلا يُترَكُ المَعروفُ المُتيَقَّن عنه لشيءٍ مَظنونٍ ونَقْلٍ لم يَثبُتْ عنه، وله رحمه الله رَدٌّ على الجَهْميةِ والزَّنَادِقة في هذا البابِ مشهورٌ ومطبوعٌ ومُتداوَل.

ثانيًا: وما نسَبَه إلى البُخَاري غيرُ صَحيح، فقد رَاجَعْتُ صحيحَ البُخَاري فوجدْتُه قد ذَكَر الحديثَ الذي أشار إليه الدُّكتور  ([1]) تحتَ ترجمة: {وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ} [الحشر: 9]، ولم يَذكُرْ تأويلَ الضَّحكِ بالرَّحمة، وإنَّما الذي أوَّله بالرِّضا هو الحافظُ ابنُ حَجَر في الفَتْح، والحافظ رحمه الله متُأثِّرٌ بمذهبِ الأشاعرةِ فلا عِبرةَ بقولِه في هذا.

ثالثًا: ما نَسَبه إلى حمَّادٍ بنِ زيدٍ من تأويلِ النُّزولِ بالإقبالِ يُجابُ عنه من وَجْهين:


الشرح

([1])وهو حديث: الأنصاري الذي أكرم ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبات هو وزوجته وأولاده طاوين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لَقَدْ ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ مِنْ فَعَالِكُمَا».