الحاصل: أَنَّه يستعمل
الماءَ بقدر ما يتَّسع من أَعْضاءِ الوضوءِ ثم يتيمَّم عن الباقي، ولو كان الماءُ يكفي
للوضوءِ كاملاً يتوضَّأُ به وضوءًا كاملاً، ويتيمَّم عن الحَدَث الأَكْبر، والتيمَّم
لا بدَّ منه إِمَّا عن الحَدَثَيْنِ أَوْ عن الحَدَث الأَكْبرِ ويُصلِّي؛ لقوله تعالى:
﴿وَإِن
كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ
ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ
بِوُجُوهِكُمۡ﴾ [النساء: 43]. وهذا
لم يجدْ ماءً أَوْ وجد ماءً لا يكفيه للطَّهارة كلها؛ فيستعمله فيما يتَّسع له ويتيمَّم
عن الباقي.
*
أَمَّا إِذا كان العُذْرُ هو شِدَّةُ البُرودة، وليس عنده ما يُسخِّن به هذا الماءَ،
فإِنَّه يتيمَّم، فشِدَّةُ البَرْد التي يخشى منها على نفسه لو اغتسل، بأَنْ يخشى على
نفسه من المرض أَوْ من الموتِ فإِنَّه لا يجوز له أَنْ يستعملَ ما فيه خَطَرٌ، والدَّليلُ
على ذلك قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ العاصِ رضي الله عنه حينما كان في بعض أَسْفاره في سَرِيَّةٍ
بَعَثَهُ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بها ثمَّ احْتَلَمَ ولمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ
وإِذَا الماءُ باردٌ شديدُ البُرودةِ فذَكَرَ قولَه تعالى: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ
أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا﴾ [النساء: 29]. فتيمَّمَ فصلَّى بأَصْحابه، فلمَّا قَدِمَ
على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ له ذلك أَقَرَّهُ على هذا ([1]).
فدلَّ على أَنَّه إِذا كان الماءُ باردًا شديدَ البُرودة ويخشى باستعماله ضررًا على
نفسه، فإِنَّه يتيمَّمُ إِذا لم يجدْ ما يُسَخِّنُه به.
****
([1])أخرجه: أبو داود رقم (334)، وأحمد رقم (17812)، والحاكم رقم (629).
الصفحة 6 / 577