فَمَنِ اتَّخَذَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ
اللهِ - تَعَالَى - فَقَدْ ظَنَّ بِهِ أَقْبَحَ ظَنٍّ، وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ
يَشْرَعَهُ لِعِبَادِهِ، بَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي العُقُولِ وَالفِطَرِ.
وَاعْلَمْ
أَنَّ الخُضُوعَ وَالتَّأَلُّهَ الَّذِي يَجْعَلُهُ العَبْدُ لِتِلْكَ الوَسَائِطِ
قَبِيحٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ المَجْعُولُ
لَهُ ذَلِكَ عَبْدًا لِلْمَلِكِ العَظِيمِ الرَّحِيمِ القَرِيبِ المُجِيبِ
وَمَمْلوكًا لَهُ.
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يَشْرَعَهُ
لِعِبَادِهِ، بَلْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي العُقُولِ وَالفِطَرِ» أي: مستحيل أن
يشرع الله لعباده أن يتقربوا إليه بالصالحين والأولياء، ويتوسطوا عنده؛ لأن هذا
يتنافى مع كمال علمه وسمعه وبصره ورحمته ولطفه بعباده.
قوله
رحمه الله:
«وَاعْلَمْ أَنَّ الخُضُوعَ
وَالتَّأَلُّهَ الَّذِي يَجْعَلُهُ العَبْدُ لِتِلْكَ الوَسَائِطِ قَبِيحٌ فِي
نَفْسِهِ» فكونه يخضع لهؤلاء الأموات، ويذل لهم، ويدعوهم ويستغيث بهم، ويذبح
لهم، وينذر لهم، ويقول: «أنا أعلم أنهم
خلق، وأنهم لا ينفعون ولا يضرون، ولكن لا أريد منهم إلا الشفاعة، والوساطة عند
الله»؛ فنقول: هل الله أمرك بهذا: أن تجعل بينك وبينه واسطة؟ أم أمرك أن تدعوه
مباشرة؟ قال تعالى: {وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ} [البقرة: 186]، وقال: {وَقَالَ
رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ} [غافر: 60]، ولم يقل: ادعوني بواسطة فلان أو علان.
قوله رحمه الله: «لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ المَجْعُولُ لَهُ ذَلِكَ عَبْدًا لِلْمَلِكِ العَظِيمِ الرَّحِيمِ القَرِيبِ المُجِيبِ وَمَمْلوكًا لَهُ» فهذا من أقبح الأمور: أن تجعل المملوك شريكًا للمالك في قضاء حوائج العباد، وإغاثة الملهوف... وغير ذلك، فهذا من أقبح الأفعال والاعتقادات.
الصفحة 1 / 309