وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ظَنَّ أَنَّ الرَّبَّ
سبحانه وتعالى لاَ يَسْمَعُ لَهُ أو لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلاَّ بِوَاسِطَةٍ
تُطْلِعُهُ عَلَى ذَلِكَ، أو تَسْأَلُ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ ظَنَّ باللهِ ظَنَّ
السَّوْءِ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أو لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ
بِإِعْلاَمِ غَيْرِهِ لَهُ وَإِسْمَاعِهِ؛ فَذَلِكَ نَفْيٌ لِعِلْمِ اللهِ
وَلِسَمْعِهِ وَكَمَالِ إِدْرَاكِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ ذَنْبًا.
****
الشرح
هذا
الكلام وما بعده منقول من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في فوائد غزوة الأحزاب
من كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»،
وهو كلام طويل اختصره المؤلف باختصار جيد.
فمن زعم أن الله لا يسمع دعاءه إلا بواسطة من يبلغه -سبحانه- أو أن الله لا يستجيب إلا بواسطة من يتوسط عند الله ويعطف الله على عبده مثلما يفعل عند الملوك؛ «فقد ظن بالله ظن السوء»، قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ} [الفتح: 6]؛ فالمنافقون ظنوا بالله ظن السوء؛ حيث إنهم ظنوا أنه لا ينصر رسوله، وأنه لن يرجع هو وأصحابه من الغزو: {بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا} [الفتح: 12]؛ وذلك في غزوة تبوك وغيرها، يظنون أن الرسول سيقتل، وأن الصحابة رضي الله عنهم سيهزمون، فهذا ظن بالله ظن بالسوء؛ ظن أن الله لن ينصر رسوله، ولا ينصر عباده المؤمنين، ويظهر عليهم الكفار والمشركين إظهارًا مستمرًّا، أما أنه يظهر عليهم الكفار والمشركين في بعض الأحيان؛ لسبب من قبل المؤمنين، ويعاقبهم الله؛ فهذا واقع، ولكن من ظن أنه لا ينصر رسوله ولا أولياءه؛ وأنه يديل الباطل إدالةً مستمرة؛ فهذا قد ظن بالله ظن السوء.
الصفحة 1 / 309